العربية (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ) أي : عن المرأة ، والمراد بالعذاب الدنيوي : وهو الحدّ ، وفاعل يدرأ قوله : (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ) والمعنى : أنه يدفع عن المرأة الحدّ شهادتها أربع شهادات بالله : أن الزوج (لَمِنَ الْكاذِبِينَ وَالْخامِسَةَ) بالنصب عطفا على أربع ، أي : وتشهد الخامسة كذلك قرأ حفص والحسن والسلمي وطلحة والأعمش ، وقرأ الباقون بالرفع على الابتداء ، وخبره (أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ) الزوج (مِنَ الصَّادِقِينَ) فيما رماها به من الزنا ، وتخصيص الغضب بالمرأة للتغليظ عليها لكونها أصل الفجور ومادّته ، ولأن النساء يكثرن اللعن في العادة ، ومع استكثار هنّ منه لا يكون له في قلوبهنّ كبير موقع بخلاف الغضب (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) جواب لولا محذوف. قال الزجاج : المعنى ولولا فضل الله لنال الكاذب منهما عذاب عظيم. ثم بين سبحانه كثير توبته على من تاب وعظيم حكمته البالغة فقال : (وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) أي : يعود على من تاب إليه ، ورجع عن معاصيه بالتوبة عليه والمغفرة له : حكيم فيما شرع لعباده من اللعان وفرض عليهم من الحدود.
وقد أخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) قال : تاب الله عليهم من الفسوق ، وأما الشهادة فلا تجوز ، وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي بكرة : إن تبت قبلت شهادتك. وأخرج ابن مردويه عنه قال : توبتهم إكذابهم أنفسهم ، فإن أكذبوا أنفسهم قبلت شهادتهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : من تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل. وفي الباب روايات عن التابعين. وقصة قذف المغيرة في خلافة عمر مروية من طرق معروفة. وأخرج البخاري والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس «أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبيّ صلىاللهعليهوسلم بشريك بن سحماء ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : البيّنة ، وإلا حدّ في ظهرك ، فقال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البيّنة؟ فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : البيّنة وإلا حدّ في ظهرك فقال هلال : والذي بعثك بالحقّ إني لصادق ، ولينزلنّ الله ما يبرّئ ظهري من الحدّ ، ونزل جبريل فأنزل عليه (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) والنبي صلىاللهعليهوسلم يقول : الله يعلم أن أحد كما كاذب فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت ، فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها موجبة ، فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : أبصروها ، فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلّج السّاقين فهو لشريك بن سحماء ، فجاءت به كذلك ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن» وأخرج هذه القصة أبو داود الطيالسي وعبد الرزاق وأحمد وعبد ابن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس مطوّلة. وأخرجها البخاري ومسلم وغيرهما ، ولم يسمّوا الرجل ولا المرأة. وفي آخر القصة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال له : «اذهب فلا سبيل لك عليها ، فقال : يا رسول الله! مالي ، قال : لا مال لك ، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك منها». وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل ابن سعد قال : «جاء عويمر إلى عاصم بن عديّ ، فقال : سل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته