عليه بإجابة أدعيته ، يقال : شقي بكذا ، أي : تعب فيه ، ولم يحصل مقصوده منه (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) قرأ عثمان بن عفان ومحمد بن علي بن الحسين وأبوه علي ويحيى بن يعمر «خفّت» بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء وفاعله (الْمَوالِيَ) أي : قلّوا وعجزوا عن القيام بأمر الدين بعدي ، أو انقطعوا بالموت ، مأخوذا من خفت القوم إذا ارتحلوا ، وهذه قراءة شاذة بعيدة عن الصواب. وقرأ الباقون «خفت» بكسر الخاء وسكون الفاء على أن فاعله ضمير يعود إلى زكريا ، ومفعوله الموالي ، ومن ورائي متعلّق بمحذوف لا بخفت ، وتقديره : خفت فعل الموالي من بعدي. قرأ الجمهور (وَرائِي) بالهمز والمدّ وسكون الياء ، وقرأ ابن كثير بالهمز والمدّ وفتح الياء. وروي عنه أنه قرأ بالقصر مفتوح الياء ، مثل عصاي ، والموالي هنا : هم الأقارب الذين يرثون وسائر العصبات من بني العمّ ونحوهم ، والعرب تسمّي هؤلاء موالي ، قال الشاعر (١) :
مهلا بني عمّنا مهلا موالينا |
|
لا تنشروا (٢) بيننا ما كان مدفونا |
قيل : الموالي الناصرون له. واختلفوا في وجه المخافة من زكريا لمواليه من بعده ، فقيل : خاف أن يرثوا ماله ، وأراد أن يرثه ولده ، فطلب من الله سبحانه أن يرزقه ولدا. وقال آخرون : إنهم كانوا مهملين لأمر الدين ، فخاف أن يضيع الدين بموته ، فطلب وليا يقوم به بعد موته. وهذا القول أرجح من الأوّل ؛ لأن الأنبياء لا يورثون ، وهم أجلّ من أن يعتنوا بأمور الدنيا ، فليس المراد هنا وراثة المال ، بل المراد وراثة العلم والنبوّة والقيام بأمر الدين ، وقد ثبت عن نبينا صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه صدقة». (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) العاقر : هي التي لا تلد لكبر سنها ، والتي لا تلد أيضا لغير كبر ، وهي المرادة هنا ، ويقال للرجل الذي لا يلد عاقر أيضا ، ومنه قول عامر بن الطفيل :
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا (٣)
قال ابن جرير : وكان اسم امرأته أشاع بنت فاقود بن ميل ، وهي أخت حنة ، وحنة هي أمّ مريم. وقال القتبي : هي أشاع بنت عمران ، فعلى القول يكون يحيى بن زكريا ابن خالة أمّ عيسى ، وعلى القول الثاني يكونان ابني خالة كما ورد في الحديث الصحيح. (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) أي : أعطني من فضلك وليا ، ولم يصرح بطلب الولد لما علم من نفسه بأنه قد صار هو وامرأته في حالة لا يجوز فيها حدوث الولد بينهما وحصوله منهما. وقد قيل : إنه كان ابن بضع وتسعين سنة ، وقيل : بل أراد بالوليّ الذي طلبه هو الولد ، ولا مانع من سؤال من كان مثله لما هو خارق للعادة ، فإن الله سبحانه قد يكرم رسله بما يكون كذلك ، فيكون من جملة المعجزات الدالّة على صدقهم (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) قرأ أهل الحرمين والحسن وعاصم
__________________
(١). هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب.
(٢). في تفسير القرطبي (١١ / ٧٨) : لا تنبشوا.
(٣). وعجزه : جبانا فما عذري لدى كلّ محضر.