لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (١) وقرئ : «مخلف وعده رسله» بجرّ رسله ونصب وعده. قال الزّمخشري : وهذه القراءة في الضعف كمن قرأ : «قتل أولادهم شركائهم». (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب لا يغالبه أحد (ذُو انتِقامٍ) ينتقم من أعدائه لأوليائه والجملة تعليل للنهي ، وقد مرّ تفسيره في أوّل آل عمران (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) قال الزجاج : انتصاب يوم على البدل من يوم يأتيهم ، أو على الظرف للانتقام انتهى ، ويجوز أن ينتصب بمقدّر يدل عليه الكلام ، أي : واذكر أو وارتقب ، والتبديل قد يكون في الذات كما في بدّلت الدراهم دنانير ، وقد يكون في الصفات كما في بدّلت الحلقة خاتما ، والآية تحتمل الأمرين ، وقد قيل : المراد تغير صفاتها ، وبه قال الأكثر ، وقيل : تغير ذاتها ، ومعنى (وَالسَّماواتُ) أي : وتبدّل السّموات غير السّموات على الاختلاف الذي مرّ (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) أي : برز العباد لله أو الظّالمون كما يفيده السياق ؛ أي : ظهروا من قبورهم ، أو ظهر من أعمالهم ما كانوا يكتمونه ، والتعبير على المستقبل بلفظ الماضي للتنبيه على تحقّق وقوعه ، كما في قوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) (٢) و (الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٣) المتفرّد بالألوهية الكثير القهر لمن عانده (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) معطوف على برزوا أو على تبدّل ، والمجيء بالمضارع لاستحضار الصورة ، والمجرمون هم المشركون ، ويومئذ يعني يوم القيامة ، و (مُقَرَّنِينَ) أي : مشدودين إما بجعل بعضهم مقرونا مع بعض ، أو قرنوا مع الشياطين كما في قوله : (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٤) أو جعلت أيديهم مقرونة إلى أرجلهم ، والأصفاد : الأغلال والقيود ، والجار والمجرور متعلّق بمقرّنين أو حال من ضميره ، يقال : صفدته صفدا ، أي : قيدته. والاسم الصّفد ، فإذا أردت التكثير قلت : صفّدته. قال عمرو بن كلثوم :
فآبوا بالنّهاب وبالسّبايا |
|
وأبنا بالملوك مصفّدينا |
وقال حسّان بن ثابت :
من بين مأسور يشدّ صفاده |
|
صقر إذا لاقى الكريهة حام |
ويقال : صفدته وأصفدته ؛ إذا أعطيته ، ومنه قول النّابغة :
ولم أعرض أبيت اللعن بالصّفد (٥)
(سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ) السّرابيل : القمص ، واحدها سربال ، ومنه قول كعب بن مالك :
تلقاكم عصب حول النّبيّ لهم |
|
من نسج داود في الهيجا سرابيل |
والقطران : هو قطران الإبل الذي تهنأ به ؛ أي : قمصانهم من قطران تطلى به جلودهم حتى يعود ذلك الطلاء كالسرابيل ؛ وخصّ القطران لسرعة اشتعال النهار فيه مع نتن رائحته. وقال جماعة هو
__________________
(١). المجادلة : ٢١.
(٢). الكهف : ٩٩.
(٣). يوسف : ٣٩.
(٤). الزخرف : ٣٦.
(٥). وصدره : هذا الثناء فإن تسمع لقائله. ومعنى «أبيت اللعن» : أبيت أن تأتي شيئا تلعن عليه.