وقيل : إنّ هنا بمعنى نعم ، فالصابئون مرتفع بالابتداء ، ومثله قول ابن قيس الرقيات :
بكر العواذل في الصّبا |
|
ح يلمنني وألومهنّه |
ويقلن شيب قد علا |
|
ك وقد كبرت فقلت إنّه |
قال الأخفش : إنه بمعنى نعم والهاء للسكت. وقد تقدم الكلام على الصابئين والنصارى في البقرة ، وقرئ الصابيون بياء صريحة تخفيفا للهمزة ، وقرئ : الصابون بدون ياء ، وهو من صبا يصبو لأنهم صبوا إلى اتباع الهوى ، وقرئ والصابئين عطفا على اسم إن. قوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) مبتدأ خبره (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) والمبتدأ وخبره خبر ل (إِنَ) ، ودخول الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ، والعائد إلى اسم إن محذوف ، أي من آمن منهم ، ويجوز أن يكون من آمن بدلا من اسم إنّ وما عطف عليه ، ويكون خبر إنّ (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) والمعنى على تقدير كون المراد بالذين آمنوا المنافقين كما قدّمنا : أن من آمن من هذه الطوائف إيمانا خالصا على الوجه المطلوب وعمل عملا صالحا ، فهو الذي لا خوف عليه ولا حزن ، وأما على تقدير كون المراد بالذين آمنوا جميع أهل الإسلام : المخلص والمنافق ، فالمراد بمن آمن من اتّصف بالإيمان الخالص واستمرّ عليه ، ومن أحدث إيمانا خالصا بعد نفاقه. قوله : (لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) كلام مبتدأ لبيان بعض أفعالهم الخبيثة. وقد تقدّم في البقرة بيان معنى الميثاق (وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً) ليعرّفوهم بالشرائع وينذروهم (كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ) جملة شرطية وقعت جوابا لسؤال ناس من الأحبار بإرسال الرسل كأنه قيل : ما ذا فعلوا بالرسل؟ وجواب الشرط محذوف ، أي عصوه. وقوله : (فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) جملة مستأنفة أيضا جواب عن سؤال ناس عن الجواب الأوّل كأنه قيل : كيف فعلوا بهم؟ فقيل : فريقا منهم كذبوهم ولم يتعرضوا لهم بضرر ، وفريقا آخر منهم قتلوهم ، وإنما قال (وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) لمراعاة رؤوس الآي ، فمن كذّبوه عيسى وأمثاله من الأنبياء ، وممن قتلوه زكريا ويحيى. قوله : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي حسب هؤلاء الذين أخذ الله عليهم الميثاق أن لا يقع من الله عزوجل ابتلاء واختبار بالشدائد اعتزازا (١) بقولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (٢). قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي تكون بالرفع على أنّ أن هي المخففة من الثقيلة ، وحسب بمعنى علم ، لأن أن معناها التحقيق. وقرأ الباقون بالنصب على أنّ أن ناصبة للفعل ، وحسب بمعنى الظن ، قال النحاس : والرفع عند النحويين في حسب وأخواتها أجود ، ومثله :
ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني |
|
كبرت وألّا يشهد اللهو أمثالي (٣) |
قوله (فَعَمُوا وَصَمُّوا) أي عموا عن إبصار الهدى ، وصمّوا عن استماع الحق ، وهذه إشارة إلى ما
__________________
(١). في القرطبي اغترارا.
(٢). المائدة : ١٨.
(٣). البيت لامرئ القيس. «بسباسة» : امرأة من بني أسد.