بين اللغتين انتهى. وقال في شمس العلوم : الركون السكون يقال ركن إليه ركونا ، قال الله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) انتهى. وقال في القاموس : ركن إليه كنصر وعلم ومنع ركونا : مال وسكن انتهى ، فهؤلاء الأئمة من رواة اللغة فسروا الركون بمطلق الميل والسكون من غير تقييد بما قيده به صاحب الكشاف حيث قال : فإن الركون هو الميل اليسير ، وهكذا فسره المفسرون بمطلق الميل والسكون من غير تقييد إلا من كان من المتقيدين بما ينقله صاحب الكشاف ؛ ومن المفسرين من ذكر في تفسير الركون قيودا لم يذكرها أئمة اللغة. قال القرطبي في تفسيره : الركون حقيقته الاستناد والاعتماد والسّكون إلى الشيء والرضا به. ومن أئمة التابعين من فسر الركون بما هو أخصّ من معناه اللغوي. فروي عن قتادة وعكرمة في تفسير الآية أن معناها : لا تودوهم ولا تطيعوهم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير الآية : الركون هنا الإدهان ، وذلك أن لا ينكر عليهم كفرهم ، وقال أبو العالية : معناه لا ترضوا أعمالهم.
وقد اختلف أيضا الأئمة من المفسرين في هذه الآية هل هي خاصة بالمشركين أو عامة؟ فقيل خاصة ، وإن معنى الآية النهي عن الركون إلى المشركين ، وأنهم المرادون بالذين ظلموا ، وقد روي ذلك عن ابن عباس ؛ وقيل : إنها عامة في الظلمة من غير فرق بين كافر ومسلم ، وهذا هو الظاهر من الآية : ولو فرضنا أن سبب النزول هم المشركون لكان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فإن قلت : وقد وردت الأدلة الصحيحة البالغة عدد التواتر الثابتة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثبوتا لا يخفى على من له أدنى تمسك بالسنة المطهرة بوجوب طاعة الأئمة والسلاطين والأمراء حتى ورد في بعض ألفاظ الصحيح : «أطيعوا السّلطان وإن كان عبدا حبشيا رأسه كالزّبيبة». وورد وجوب طاعتهم ما أقاموا الصلاة ، وما لم يظهر منهم الكفر البواح ، وما لم يأمروا بمعصية الله. وظاهر ذلك أنهم وإن بلغوا في الظلم إلى أعلى مراتبه ، وفعلوا أعظم أنواعه مما لم يخرجوا به إلى الكفر البواح ، فإن طاعتهم واجبة حيث لم يكن ما أمروا به من معصية الله ؛ ومن جملة ما يأمرون به تولي الأعمال لهم ، والدّخول في المناصب الدّينية التي ليس الدخول فيها من معصية الله ؛ ومن جملة ما يأمرون به الجهاد ، وأخذ الحقوق الواجبة من الرعايا ، وإقامة الشّريعة بين المتخاصمين منهم ، وإقامة الحدود على من وجبت عليه ؛ وبالجملة فطاعتهم واجبة على كل من صار تحت أمرهم ونهيهم في كل ما يأمرون به مما لم يكن من معصية الله ، ولا بدّ في مثل ذلك من المخالطة لهم والدخول عليهم ، ونحو ذلك مما لا بدّ منه ، ولا محيص عن هذا الذي ذكرناه ، من وجوب طاعتهم بالقيود المذكورة ، لتواتر الأدلة الواردة به ، بل قد ورد به الكتاب العزيز : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١) بل ورد : أنهم يعطون الذي لهم من الطاعة ، وإن منعوا ما هو عليهم للرعايا ، كما في بعض الأحاديث الصحيحة «أعطوهم الذي لهم ، واسألوا الله الذي لكم» بل ورد الأمر بطاعة السلطان ، وبالغ في ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم حتى قال : «وإن أخذ مالك وضرب ظهرك». فإن اعتبرنا مطلق الميل والسكون فمجرّد هذه الطاعة المأمور بها مع ما تستلزمه من المخالطة ، هي ميل وسكون ؛ وإن اعتبرنا الميل والسكون ظاهرا وباطنا فلا يتناول النهي في هذه الآية من مال إليهم في الظاهر لأمر يقتضي ذلك شرعا كالطاعة ، أو للتقية ومخافة الضرر منهم ، أو لجلب مصلحة عامة أو خاصة ، أو دفع مفسدة عامة أو خاصة ،
__________________
(١). النساء : ٥٩.