الَّذِينَ شَقُوا) الآية». وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ عن إبراهيم : «ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ)» قال : وقال ابن مسعود «ليأتينّ عليها زمان تخفق أبوابها». وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال : «جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعها خرابا». وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) قال : الله أعلم بتثنيته على ما وقعت؟ وقد روي عن جماعة من السلف مثل ما ذكره عمر ، وأبو هريرة ، وابن مسعود كابن عباس وعبد الله بن عمر وجابر وأبي سعيد من الصحابة ، وعن أبي مجلز ، وعبد الرحمن ابن زيد بن أسلم ، وغيرهما من التابعين. وورد في ذلك حديث في معجم الطبراني الكبير عن أبي أمامة صدي ابن عجلان الباهلي. وإسناده ضعيف. ولقد تكلم صاحب الكشاف في هذا الموضع بما كان له في تركه سعة ، وفي السكوت عنه غنى ، فقال : ولا يخدعنك قول المجبرة إن المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار ، فإن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم ، وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله لما روى لهم بعض الثوابت عن ابن عمرو : ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد ، ثم قال : وأقول : ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث. انتهى.
وأقول : أما الطعن على من قال بخروج أهل الكبائر من النار ، فالقائل بذلك ـ يا مسكين ـ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما صحّ عنه في دواوين الإسلام التي هي دفاتر السّنّة المطهّرة ، وكما صحّ عنه في غيرها من طريق جماعة من الصحابة يبلغون عدد التواتر ؛ فمالك والطعن على قوم عرفوا ما جهلته وعملوا بما أنت عنه في مسافة بعيدة ؛ وأيّ مانع من حمل الاستثناء على هذا الذي جاءت به الأدلّة الصّحيحة الكثيرة كما ذهب إلى ذلك وقال به جمهور العلماء من السلف والخلف ؛ وأما ما ظننته من أن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم فلا مناداة ولا مخالفة ، وأيّ مانع من حمل الاستثناء في الموضعين على العصاة من هذه الأمة. فالاستثناء الأوّل يحمل على معنى إلا ما شاء ربك من خروج العصاة من هذه الأمة من النار ، والاستثناء الثاني يحمل على معنى : إلا ما شاء ربك من عدم خلودهم في الجنة كما يخلد غيرهم ، وذلك لتأخر خلودهم إليها مقدار المدّة التي لبثوا فيها في النار ؛ وقد قال بهذا من أهل العلم من قدّمنا ذكره. وبه قال ابن عباس حبر الأمة. وأما الطعن على صاحب رسول الله وحافظ سنته وعابد الصحابة عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، فإلى أين يا محمود ، أتدري ما صنعت ، وفي أي واد وقعت ، وعلى أي جنب سقطت؟ ومن أنت حتى تصعد إلى هذا المكان وتتناول نجوم السماء بيدك القصيرة ورجلك العرجاء ، أما كان لك في مكسري طلبتك من أهل النحو واللغة ما يردك عن الدخول فيما لا تعرف والتكلم بما لا تدري ، فيا لله العجب ما يفعل القصور في علم الرواية والبعد عن معرفتها إلى أبعد مكان من الفضيحة لمن لم يعرف قدر نفسه ولا أوقفها حيث أوقفها الله سبحانه.
(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ