يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨))
المراد بالآيات : التوراة ، والسّلطان المبين : المعجزات ؛ وقيل : المراد بالآيات : هي التسع المذكورة في غير هذا الموضع ، والسّلطان المبين : العصا ، وهي وإن كانت من التسع لكنها لما كانت أبهرها أفردت بالذكر ؛ وقيل : المراد بالآيات : ما يفيد الظنّ ، والسلطان المبين : ما يفيد القطع بما جاء به موسى ؛ وقيل : هما جميعا عبارة عن شيء واحد ، أي : أرسلناه بما يجمع وصف كونه آية ؛ وكونه سلطانا مبينا ؛ وقيل : إن السلطان المبين : ما أورده موسى على فرعون في المحاورة بينهما (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي : أرسلناه بذلك إلى هؤلاء. وقد تقدّم أن الملأ أشراف القوم ، وإنما خصّهم بالذكر دون سائر القوم ، لأنهم أتباع لهم في الإصدار والإيراد ، وخصّ هؤلاء الملأ دون فرعون بقوله : (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) أي : أمره لهم بالكفر ، لأن حال فرعون في الكفر أمر واضح ، إذ كفر قومه من الأشراف وغيرهم إنما هو مستند إلى كفره ، ويجوز أن يراد بأمر فرعون : شأنه وطريقته ، فيعمّ الكفر وغيره (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) أي : ليس فيه رشد قط ، بل هو غيّ وضلال ، والرشيد بمعنى : المرشد ، والإسناد مجازي ، أو بمعنى ذي رشد ، وفيه تعريض بأن الرشد في أمر موسى (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) من قدمه بمعنى تقدّمه ، أي : يصير متقدما لهم يوم القيامة سابقا لهم إلى عذاب النار كما كان يتقدّمهم في الدنيا (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) أي : إنه لا يزال متقدّما لهم وهم يتبعونه حتى يوردهم النار ؛ وعبر بالماضي : تنبيها على تحقق وقوعه ، ثم ذمّ الورد الذي أوردهم إليه ، فقال : (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) لأن الوارد إلى الماء الذي يقال له : الورد ، إنما يرده ليطفىء حرّ العطش ، ويذهب ظمأه ، والنار على ضدّ ذلك ، ثم ذمهم بعد ذمّ المكان الذي يردونه ، فقال : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً) أي : أتبع قوم فرعون مطلقا ، أو الملأ خاصة ، أو هم وفرعون في هذه الدنيا لعنة عظيمة ، أي : طردا وإبعادا (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : وأتبعوا لعنة يوم القيامة ، يلعنهم أهل المحشر جميعا ، ثم إنه جعل اللعنة رفدا لهم ، على طريقة التهكم ، فقال : (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ). قال الكسائي وأبو عبيدة : رفدته ، أرفده ، رفدا : أمنته وأعطيته ، واسم العطية : الرفد ، أي : بئس العطاء والإعانة ما أعطوهم إياه ، وأعانوهم به ، والمخصوص بالذمّ محذوف ، أي : رفدهم ، وهو اللعنة التي أتبعوها في الدنيا والآخرة كأنها لعنة بعد لعنة تمدّ الأخرى الأولى وتؤبدها. وذكر الماوردي حكاية عن الأصمعي أنّ الرّفد بالفتح : القدح ، وبالكسر : ما فيه من الشراب فكأنه ذمّ ما يستقونه في النار ، وهذا أنسب بالمقام ، وقيل : إن الرفد : الزيادة ، أي : بئس ما يرفدون به بعد الغرق ، وهو الزيادة ، قاله الكلبي ؛ والإشارة بقوله : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ) أي : ما قصه الله سبحانه في هذه السورة من أخبار الأمم السالفة وما فعلوه مع أنبيائهم ، أي : هو مقصوص عليك خبر بعد خبر ، وقد تقدّم تحقيق معنى القصص ، والضمير في : منها ، عائد إلى القرى ، أي : من القرى قائم ، ومنها حصيد ، والقائم : ما كان قائما على عروشه ، والحصيد : ما لا أثر له ؛ وقيل : القائم : العامر ، والحصيد : الخراب ؛ وقيل : القائم : القرى الخاوية على عروشها ، والحصيد : المستأصل بمعنى محصود ، شبه القرى بالزرع القائم على ساقه والمقطوع ، قال الشاعر :