وقرأ الباقون بحذفها ، فعلى القراءة الأولى مع رفع يقول يكون كلاما مبتدأ مسوقا لبيان ما وقع من هذه الطائفة ، وعلى قراءة النصب يكون عطفا على (فَيُصْبِحُوا) وقيل : على (يَأْتِيَ) والأولى أولى ، لأن هذا القول إنما يصدر عن المؤمنين عند ظهور ندامة الكافرين لا عند إتيان الفتح ؛ وقيل : هو معطوف على الفتح كقول الشاعر :
للبس عباءة وتقرّ عيني (١)
وأما على قراءة حذف الواو فالجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، والإشارة بقوله : (أَهؤُلاءِ) إلى المنافقين : أي يقول الذين آمنوا مخاطبين لليهود مشيرين إلى المنافقين (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) بالمناصرة والمعاضدة في القتال ، أو يقول بعض المؤمنين لبعض مشيرين إلى المنافقين ، وهذه الجملة مفسرة للقول. وجهد الأيمان : أغلظها ، وهو منصوب على المصدر أو على الحال : أي أقسموا بالله جاهدين. قوله : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطلت وهو من تمام قول المؤمنين أو جملة مستأنفة والقائل الله سبحانه. والأعمال هي التي عملوها في الموالاة أو كل عمل يعملونه. قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ) قرأ أهل المدينة والشام يرتدد بدالين بفك الإدغام ، وهي لغة تميم ، وقرأ غيرهم بالإدغام. وهذا شروع في بيان أحكام المرتدّين بعد بيان أن موالاة الكافرين من المسلم كفر ، وذلك نوع من أنواع الردّة. والمراد بالقوم الذين وعد الله سبحانه بالإتيان بهم هم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجيشه من الصحابة والتابعين الذين قاتل بهم أهل الردّة ، ثم كل من جاء بعدهم من المقاتلين للمرتدّين في جميع الزمن ، ثم وصف سبحانه هؤلاء القوم بهذه الأوصاف العظيمة المشتملة على غاية المدح ونهاية الثناء من كونهم يحبون الله وهو يحبهم ، ومن كونهم (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) والأذلّة : جمع ذليل لا ذلول ، والأعزّة : جمع عزيز ، أي يظهرون العطف والحنوّ والتّواضع للمؤمنين ويظهرون الشدّة والغلظة والترفع على الكافرين ، ويجمعون بين المجاهدة في سبيل الله وعدم خوف الملامة في الدين ، بل هم متصلّبون لا يبالون بما يفعله أعداء الحق وحزب الشيطان من الإزراء بأهل الدين وقلب محاسنهم مساوئ ومناقبهم مثالب حسدا وبغضا وكراهة للحق وأهله ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما تقدّم من الصفات التي اختصهم الله بها. والفضل : اللطف والإحسان. قوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) لما فرغ سبحانه من بيان من لا تحلّ موالاته بيّن من هو الوليّ الذي تجب موالاته ، ومحل (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) الرفع على أنه صفة للذين آمنوا أو بدل منه أو النصب على المدح. وقوله : (وَهُمْ راكِعُونَ) جملة حالية من فاعل الفعلين اللذين قبله. والمراد بالركوع : الخشوع والخضوع ، أي يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم خاشعون خاضعون لا يتكبرون ؛ وقيل : هو حال من فاعل الزكاة. والمراد بالركوع هو المعنى المذكور : أي يضعون الزكاة في مواضعها غير متكبرين على الفقراء ولا مترفعين عليهم ؛ وقيل : المراد بالركوع على المعنى الثاني : ركوع
__________________
(١). وتمام البيت : أحبّ إليّ من لبس الشفوف. وهو لميسون بنت بحدل ، وكانت زوجة لمعاوية بن أبي سفيان.