ووجه تعليل النهي بهذه الجملة أنها تقتضي أن هذه الموالاة هي شأن هؤلاء الكفار لا شأنكم ، فلا تفعلوا ما هو من فعلهم فتكونوا مثلهم ، ولهذا عقب هذه الجملة التعليلية بما هو كالنتيجة لها فقال : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أي فإنه من جملتهم وفي عدادهم ، وهو وعيد شديد فإنّ المعصية الموجبة للكفر هي التي قد بلغت إلى غاية ليس وراءها غاية. وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) تعليل للجملة التي قبلها ؛ أي أن وقوعهم في الكفر هو بسبب عدم هدايته سبحانه لمن ظلم نفسه بما يوجب الكفر كمن يوالي الكافرين. قوله : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ) الفاء للسببية ، والخطاب إما للرسول صلىاللهعليهوسلم ؛ أو لكلّ من يصلح له : أي ما ارتكبوه من الموالاة ووقعوا فيه من الكفر هو بسبب ما في قلوبهم من مرض النفاق. وقوله : (يُسارِعُونَ) في محل نصب إما على أنه المفعول الثاني إذا كانت الرؤية قلبية أو على أنه حال إذا كانت بصرية ، وجعل المسارعة في موالاتهم مسارعة فيهم للمبالغة في بيان رغوبهم في ذلك حتى كأنهم مستقرّون فيهم داخلون في عدادهم. وقد قرئ فيرى بالتحتية. واختلف في فاعله ما هو؟ فقيل : هو الله عزوجل ؛ وقيل : هو كل من تصح منه الرؤيا ؛ وقيل : هو الموصول. ومفعوله : (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) على حذف أن المصدرية : أي فيرى القوم الذين في قلوبهم مرض أن يسارعوا فيهم ، فلما حذفت ارتفع الفعل كقوله :
ألا أيّهذا الّلائمي أحضر الوغى (١)
والمرض في القلوب : هو النفاق والشك في الدين. وقوله : (يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) جملة مشتملة على تعليل المسارعة في الموالاة : أي أن هذه الخشية هي الحاملة لهم على المسارعة ؛ وقيل : إن الجملة حال من ضمير يسارعون. والدائرة : ما تدور من مكاره الدهر : أي نخشى أن تظفر الكفار بمحمد صلىاللهعليهوسلم فتكون الدولة لهم وتبطل دولته فيصيبنا منهم مكروه ، ومنه قوله الشاعر :
يردّ عنك القدر المقدورا |
|
ودائرات الدّهر أن تدورا |
أي دولات الدهر الدائرة من قوم إلى قوم. وقوله : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) ردّ عليهم ودفع لما وقع لهم من الخشية ، وعسى في كلام الله وعد صادق لا يتخلّف. والفتح : ظهور النّبي صلىاللهعليهوسلم على الكافرين ، ومنه ما وقع من قتل مقاتلة بني قريظة وسبي ذراريهم ، وإجلاء بني النضير ؛ وقيل : هو فتح بلاد المشركين على المسلمين ؛ وقيل : فتح مكة. والمراد بالأمر من عنده سبحانه هو كلّ ما تندفع به صولة اليهود ومن معهم وتنكسر به شوكتهم ؛ وقيل : هو إظهار أمر المنافقين وإخبار النبي صلىاللهعليهوسلم بما أسروا في أنفسهم وأمره بقتلهم ؛ وقيل : هو الجزية التي جعلها الله عليهم ؛ وقيل : الخصب والسعة للمسلمين ، فيصبح المنافقون (عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ) من النفاق الحامل لهم على الموالاة (نادِمِينَ) على ذلك لبطلان الأسباب التي تخيلوها وانكشاف خلافها. قوله : (يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) قرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق وأهل الكوفة بإثبات الواو ،
__________________
(١). وتمامه : وأن أشهد اللذات ، هل أنت مخلدي؟ وهو من معلقة طرفة بن العبد البكري.