بالركن الشديد : العشيرة ، وما يمتنع به عنهم هو ومن معه ؛ وقيل : أراد بالقوّة الولد ، وبالركن الشديد : من ينصره من غير ولده ؛ وقيل أراد بالقوة : قوته في نفسه. ولما سمعته الملائكة يقول هذه المقالة ، ووجدوا قومه قد غلبوه وعجز عن مدافعتهم (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) أخبروه أوّلا أنهم رسل ربه ثم بشروه بقولهم : (لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) وهذه الجملة موضّحة لما قبلها ، لأنهم إذا كانوا مرسلين من عند الله إليه لم يصل عدوّه إليه ولم يقدروا عليه ؛ ثم أمروه أن يخرج عنهم فقالوا له : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) قرأ نافع وابن كثير بالوصل ، وقرأ غيرهما بالقطع ، وهما لغتان فصيحتان. قال الله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) وقال (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى) وقد جمع الشاعر بين اللغتين فقال :
حيّ النّضيرة ربّة الخدر |
|
أسرت إليك ولم تكن تسري |
وقيل : إن أسرى للمسير من أول الليل ، وسرى للمسير من آخره ، والقطع من الليل : الطائفة منه. قال ابن الأعرابي : بقطع من الليل : بساعة منه ، وقال الأخفش : بجنح من الليل ، وقيل : بظلمة من الليل ، وقيل : بعد هدوّ من الليل. قيل : إن السرى لا يكون إلا في الليل ، فما وجه زيادة بقطع من الليل؟ قيل : لو لم يقل بقطع من الليل لجاز أن يكون في أوّله قبل اجتماع الظلمة ، وليس ذلك بمراد (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) أي : لا ينظر إلى ما وراءه ، أو يشتغل بما خلفه من مال أو غيره. قيل : وجه النهي عن الالتفات أن لا يروا عذاب قومهم ، وهول ما نزل بهم فيرحموهم ويرقوا لهم ، أو لئلا ينقطعوا عن السير المطلوب منهم بما يقع من الالتفات ، فإنه لا بدّ للملتفت من فترة في سيره (إِلَّا امْرَأَتَكَ) بالنصب على قراءة الجمهور ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير بالرفع على البدل ، فعلى القراءة الأولى امرأته مستثناة من قوله (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) أي : أسر بأهلك جميعا إلا امرأتك فلا تسر بها ، ف (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) من العذاب ، وهو رميهم بالحجارة لكونها كانت كافرة ؛ وأنكر قراءة الرفع جماعة منهم أبو عبيد وقال : لا يصحّ ذلك إلا برفع يلتفت ويكون نعتا ، لأن المعنى يصير إذا أبدلت وجزمت أن المرأة أبيح لها الالتفات وليس المعنى كذلك. قال النحاس : وهذا العمل من أبي عبيد وغيره على مثل أبي عمرو مع جلالته ومحله من العربية لا يجب أن يكون ، والرفع على البدل له معنى صحيح ، وهو أن يكون استثناء من النهي عن الالتفات ؛ أي : لا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإنها تلتفت وتهلك ؛ وقيل : إن الرفع على البدل من أحد ، ويكون الالتفات بمعنى التخلف لا بمعنى النظر إلى الخلف ، فكأنه قال : ولا يتخلف منكم أحد إلا امرأتك ، فإنها تتخلف ، والملجئ إلى هذا التأويل البعيد الفرار من تناقض القراءتين ، والضمير في : (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) للشأن ؛ والجملة خبر إنّ (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) هذه الجملة تقليل لما تقدّم من الأمر بالإسراء والنهي عن الالتفات ، والمعنى : أن موعد عذابهم الصبح المسفر عن تلك الليلة ، والاستفهام في (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) للإنكار التقريري ، والجملة تأكيد للتعليل. وقرأ عيسى بن عمر (أَلَيْسَ الصُّبْحُ) بضم الباء وهي لغة ، ولعلّ جعل الصبح ميقاتا لهلاكهم لكون النفوس فيه أسكن والناس فيه مجتمعون لم يتفرّقوا إلى أعمالهم (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي : الوقت المضروب لوقوع العذاب فيه ، أو المراد بالأمر : نفس العذاب (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) أي : عالي قرى لوط سافلها ،