يا ناق سيري عنقا فسيحا |
|
إلى سليمان فنستريحا |
(حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أي : لا يحصل منهم الإيمان إلّا مع المعاينة لما يعذبهم الله به ، وعند ذلك لا ينفع إيمانهم. وقد استشكل بعض أهل العلم ما في هذه الآية من الدعاء على هؤلاء ، وقال : إن الرسل إنما تطلب هداية قومهم وإيمانهم. وأجيب بأنه لا يجوز لنبيّ أن يدعو على قومه إلا بإذن الله سبحانه ، وإنما يأذن الله بذلك لعلمه بأنه ليس فيهم من يؤمن ، ولهذا لما أعلم الله نوحا عليهالسلام بأنه لا يؤمن من قومه إلا من قد آمن ، قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (١). (قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما) جعل الدعوة هاهنا مضافة إلى موسى وهارون ، وفيما تقدّم أضافها إلى موسى وحده ، فقيل : إن هارون كان يؤمن على دعاء موسى ، فسمي هاهنا داعيا ، وإن كان الداعي موسى وحده ، ففي أوّل الكلام أضاف الدعاء إلى موسى لكونه الداعي ، وهاهنا أضافه إليهما تنزيلا للمؤمن منزلة الداعي ، ويجوز أن يكونا جميعا داعيين ، ولكن أضاف الدعاء إلى موسى في أوّل الكلام لأصالته في الرسالة. قال النحاس : سمعت عليّ بن سليمان يقول : الدليل على أن الدعاء لهما قول موسى ربنا ولم يقل رب. وقرأ عليّ والسّلمي دعواتكما وقرأ ابن السميقع : دعواكما والاستقامة : الثبات على ما هما عليه من الدعاء إلى الله. قال الفرّاء وغيره : أمرا بالاستقامة على أمرهما ، والثبات عليه ، على دعاء فرعون وقومه إلى الإيمان إلى أن يأتيهما تأويل الإجابة أربعين سنة ثم أهلكوا ؛ وقيل معنى الاستقامة : ترك الاستعجال ولزوم السكينة والرضا والتسليم لما يقضي به الله سبحانه. قوله : (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) بتشديد النون للتأكيد ، وحرّكت بالكسر لكونه الأصل ، ولكونها أشبهت نون التثنية. وقرأ ابن ذكوان بتخفيف النون على النفي لا على النهي. وقرئ بتخفيف الفوقية الثانية من تتبعان. والمعنى : النهي لهما عن سلوك طريقة من لا يعلم بعادة الله سبحانه في إجراء الأمور على ما تقتضيه المصالح تعجيلا وتأجيلا. قوله : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) هو من جاوز المكان : إذا خلفه وتخطاه ، والباء للتعدية ، أي : جعلناهم مجاوزين البحر حتى بلغوا الشط ، لأن الله سبحانه جعل البحر يبسا فمرّوا فيه حتى خرجوا منه إلى البرّ. وقد تقدّم تفسير هذا في سورة البقرة في قوله سبحانه : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) (٢) وقرأ الحسن : وجوّزنا وهما لغتان (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ) يقال : تبع وأتبع بمعنى واحد : إذا لحقه. وقال الأصمعي : يقال أتبعه بقطع الألف : إذا لحقه وأدركه ، واتّبعه بوصل الألف : إذا اتبع أثره أدركه ، أو لم يدركه. وكذا قال أبو زيد. وقال أبو عمرو : إنّ اتبعه بالوصل : اقتدى به ، وانتصاب بغيا وعدوا على الحال ، والبغي : الظلم ، والعدو : الاعتداء ، ويجوز أن يكون انتصابهما على العلة ، أي : للبغي والعدو. وقرأ الحسن وعدوا بضم العين والدال وتشديد الواو مثل : علا يعلو علوّا ؛ وقيل : إن البغي : طلب الاستعلاء في القول بغير حق ، والعدو في الفعل (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) أي : ناله ووصله وألجمه. وذلك أن موسى خرج ببني إسرائيل على حين غفلة من فرعون ، فلما سمع فرعون بذلك لحقهم بجنوده ، ففرق الله البحر لموسى وبني إسرائيل ، فمشوا فيها حتى خرجوا من الجانب الآخر ، وتبعهم فرعون والبحر باق على الحالة التي كان عليها عند مضيّ موسى ومن معه ، فلما تكامل دخول جنود فرعون وكادوا أن يخرجوا
__________________
(١). نوح : ٢٦.
(٢). البقرة : ٥٠.