الملك. قال الزجاج : سمي الملك : كبرياء ، لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا ؛ وقيل : سمي بذلك : لأن الملك يتكبر.
والحاصل : أنهم عللوا عدم قبولهم دعوة موسى بأمرين : التمسّك بالتقليد للآباء ، والحرص على الرياسة الدنيوية ؛ لأنهم إذا أجابوا النبي وصدّقوه صارت مقاليد أمر أمته إليه ولم يبق للملك رئاسة تامة ، لأن التدبير للناس بالدين يرفع تدبير الملوك لهم بالسياسات والعادات ، ثم قالوا : (وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) تصريحا منهم بالتكذيب ، وقطعا للطمع في إيمانهم ، وقد أفرد الخطاب لموسى في قولهم : أجئتنا لتلفتنا ، ثم جمعوا بينه وبين هارون في الخطاب في قولهم : (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) ووجه ذلك : أنهم أسندوا المجيء والصرف عن طريق آبائهم إلى موسى ، لكونه المقصود بالرسالة المبلغ عن الله ما شرعه لهم ، وجمعوا بينهما في الضميرين الآخرين ، لأنّ الكبرياء شامل لهما في زعمهم ، ولكون ترك الإيمان بموسى يستلزم ترك الإيمان بهارون ، وقد مرّت القصة في الأعراف. قوله : (وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) قال هكذا لما رأى اليد البيضاء والعصا ، لأنه اعتقد أنهما من السحر ، فأمر قومه بأن يأتوه بكل ساحر عليم ، هكذا قرأ حمزة والكسائي وابن وثاب والأعمش : سحار. وقرأ الباقون : (ساحِرٍ) وقد تقدّم الكلام على هذا في الأعراف. والسحار : صيغة مبالغة ؛ أي : كثير السحر ، كثير العلم بعمله وأنواعه (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ) في الكلام حذف ، والتقدير هكذا : وقال فرعون ائتوني بكل سحار عليم فأتوا بهم إليه ، فلما جاء السحرة ، فتكون الفاء للعطف على المقدّر المحذوف. قوله : (قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) أي : قال لهم هذه المقالة بعد أن قالوا له : إما أن تلقي ، وإما أن نكون نحن الملقون ، أي : اطرحوا على الأرض ما معكم من حبالكم وعصيكم (فَلَمَّا أَلْقَوْا) ما ألقوه من ذلك (قالَ) لهم (مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) أي : الذي جئتم به السحر ، على أن ما موصولة مبتدأ ، والخبر : السحر ؛ والمعنى : أنه سحر ، لا أنه آية من آيات الله. وأجاز الفرّاء نصب السحر بجئتم ، وتكون ما شرطية ، والشرط جئتم ، والجزاء : (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) على تقدير الفاء ؛ فإن الله سيبطله ؛ وقيل : إن السحر منتصب على المصدر ؛ أي : ما جئتم به سحرا ، ثم دخلت الألف واللام فلا يحتاج على هذا إلى حذف الفاء ، واختاره النحّاس. وقال : حذف الفاء في المجازاة لا يجيزه كثير من النحويين إلا في ضرورة الشعر. وقرأ أبو عمرو ، وأبو جعفر : السحر على أن الهمزة للاستفهام ، والتقدير : أهو السحر؟ فتكون ما على هذه القراء استفهامية. وقرأ أبيّ : ما أتيتم به سحر إنّ الله سيبطله أي : سيمحقه ، فيصير باطلا بما يظهره على يديّ من الآيات المعجزة (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) أي : عمل هذا الجنس ، فيشمل كل من يصدق عليه أنه مفسد ، ويدخل فيه السحر والسحرة دخولا أوّليا ، والواو في : (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَ) للعطف على سيبطله ، أي : يبينه ويوضحه (بِكَلِماتِهِ) التي أنزلها في كتبه على. أنبيائه لاشتمالها على الحجج والبراهين (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) من آل فرعون ، أو المجرمون على العموم ، ويدخل تحتهم آل فرعون دخولا أوليا ، والإجرام : الآثام. قوله (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) الضمير يرجع إلى موسى ، أي : من قوم موسى ، وهم طائفة من ذراري