يؤمنون بما يجب الإيمان به ، ويتقون ما يجب عليهم اتقاؤه من معاصي الله سبحانه ، والمراد بنفي الخوف عنهم : أنهم لا يخافون أبدا كما يخاف غيرهم ، لأنهم قد قاموا بما أوجب الله عليهم ، وانتهوا عن المعاصي التي نهاهم عنها ، فهم على ثقة من أنفسهم وحسن ظنّ بربهم ، وكذلك لا يحزنون على فوت مطلب من المطالب ، لأنهم يعلمون أن ذلك بقضاء الله وقدره فيسلمون للقضاء والقدر ، ويريحون قلوبهم عن الهمّ والكدر ، فصدورهم منشرحة ، وجوارحهم نشطة ، وقلوبهم مسرورة ؛ ومحل الموصول : النصب ، على أنه بدل من أولياء ، أو الرفع : على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أو هو مبتدأ : وخبره : لهم البشرى ، فيكون غير متصل بما قبله ، أو النصب أيضا على المدح أو على أنه وصف لأولياء. قوله : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) تفسير لمعنى كونهم أولياء الله ، أي : لهم البشرى من الله ما داموا في الحياة بما يوحيه إلى أنبيائه ، وينزله في كتبه ، من كون حال المؤمنين عنده هو إدخالهم الجنة ورضوانه عنهم ، كما وقع كثير من البشارات للمؤمنين في القرآن الكريم ، وكذلك ما يحصل لهم من الرؤيا الصالحة ، وما يتفضل الله به عليهم من إجابة دعائهم ، وما يشاهدونه من التبشير لهم عند حضور آجالهم بتنزل الملائكة عليهم قائلين لهم : لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة ؛ وأما البشرى في الآخرة : فتلقي الملائكة لهم مبشرين بالفوز بالنعيم والسلامة من العذاب. والبشرى : مصدر أريد به المبشر به ، والظرفان في محل نصب على الحال ، أي : حال كونهم في الدنيا وحال كونهم في الآخرة ، ومعنى : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) لا تغيير لأقواله على العموم ، فيدخل فيها ما وعد به عباده الصالحين دخولا أوّليا ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى المذكور قبله من كونهم مبشرين بالبشارتين في الدارين (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذي لا يقادر قدره ولا يماثله غيره ، والجملتان : أعني : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) و (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) اعتراض في آخر الكلام عند من يجوّزه ، وفائدتهما : تحقيق المبشر به وتعظيم شأنه ، أو الأولى : اعتراضية ، والثانية : تذييلية.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ) قال : هم أهل الشرك كانوا يحلّون من الأنعام والحرث ما شاؤوا ، ويحرّمون ما شاؤوا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله : (إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) قال : إذ تفعلون. وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) قال : لا يغيب عنه وزن ذرة. (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) قال : هو الكتاب الذي عند الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ) قيل : من هم يا ربّ؟ قال : هم الذين آمنوا وكانوا يتّقون. وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : هم الذين إذا رأوا ذكر الله. وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا قال : هم الذين إذا رأوا يذكر الله لرؤيتهم. وأخرج عنه ابن المبارك ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه مرفوعا مثله. وأخرجه ابن المبارك وابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعيد بن جبير مرفوعا ، وهو مرسل. وروي