وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) يقول : سبقت كلمة ربك. وأخرج أبو الشيخ عن الضّحّاك قال : صدقت. وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) قال : الأوثان. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي) الآية ، قال : أمره بهذا ، ثم نسخه ، فأمره بجهادهم.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩))
قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ) إلخ ، بين الله سبحانه في هذا أن في أولئك الكفار من بلغت حاله في النّفرة والعداوة إلى هذا الحدّ ، وهي : أنهم يستمعون إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا قرأ القرآن وعلم الشرائع في الظاهر ، ولكنهم لا يسمعون في الحقيقة لعدم حصول أثر السماع ، وهو : حصول القبول والعمل بما يسمعونه ولهذا قال (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) يعني : أن هؤلاء وإن استمعوا في الظّاهر فهم صمّ ، والصمم مانع من سماعهم ، فكيف تطمع منهم بذلك مع حصول المانع؟ وهو الصمم ، فكيف إذا انضمّ إلى ذلك أنهم لا يعقلون؟ فإن من كان أصمّ غير عاقل لا يفهم شيئا ولا يسمع ما يقال له. وجمع الضمير في يستمعون حملا على معنى من ، وأفرده في : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ) حملا على لفظه. قيل : والنكتة : كثرة المستمعين بالنسبة إلى الناظرين ، لأن الاستماع لا يتوقف على ما يتوقف عليه النظر من المقابلة ، وانتفاء الحائل ، وانفصال الشعاع ، والنور الموافق لنور البصر ، والتقدير في قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ) : ومنهم ناس يستمعون ، ومنهم بعض ينظر ، والهمزتان في (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ أَفَأَنْتَ تَهْدِي) : للإنكار ، والفاء في الموضعين للعطف على مقدّر ، كأنه قيل : أيستمعون إليك فأنت تسمعهم؟ أينظرون إليك فأنت تهديهم؟ والكلام في : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) كالكلام في : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ) إلخ. لأن العمى مانع فكيف يطمع من صاحبه في النظر؟ وقد انضمّ إلى فقد البصر فقد البصيرة ، لأن الأعمى الذي له في قلبه بصيرة قد يكون له من الحدس الصحيح ما يفهم به في بعض الأحوال فهما يقوم مقام النظر ، وكذلك الأصمّ العاقل قد يتحدّس تحدّسا يفيده بعض فائدة ، بخلاف من جمع له بين عمى البصر والبصيرة فقد تعذر عليه الإدراك. وكذا من جمع له بين الصمم وذهاب العقل ؛ فقد انسدّ عليه باب الهدى ، وجواب لو في الموضعين : محذوف دلّ عليهما ما قبلهما ، والمقصود من هذا الكلام : تسلية رسول الله صلىاللهعليهوسلم ،