فأنزل الله : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ، وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) الآية. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) قال ابن مسعود : كانوا على هدى. وروي أنه قرأ هكذا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) قال : آدم وحده (فَاخْتَلَفُوا) قال : حين قتل أحد ابني آدم أخاه. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في الآية قال : كان الناس أهل دين واحد على دين آدم فكفروا ، فلولا أن ربّك أجّلهم إلى يوم القيامة لقضي بينهم.
(وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣))
قوله : (وَيَقُولُونَ) ذكر سبحانه هاهنا نوعا رابعا من مخازيهم ، وهو معطوف على قوله : (وَيَعْبُدُونَ) وجاء بالمضارع لاستحضار صورة ما قالوه. قيل : والقائلون هم أهل مكة ، كأنهم لم يعتدّوا بما قد نزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الآيات الباهرة ، والمعجزات القاهرة التي لو لم يكن منها إلا القرآن لكفى به دليلا بينا ، ومصدّقا قاطعا ؛ أي : هلّا أنزلت عليه آية من الآيات التي نقترحها عليه ، ونطلبها منه كإحياء الأموات ، وجعل الجبال ذهبا ، ونحو ذلك؟ ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال : (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) أي : إن نزول الآية غيب ، والله هو المختص بعلمه ، المستأثر به ، لا علم لي ، ولا لكم ، ولا لسائر مخلوقاته (فَانْتَظِرُوا) نزول ما اقترحتموه من الآيات (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) لنزولها ، وقيل : المعنى : انتظروا قضاء الله بيني وبينكم بإظهار الحق على الباطل. قوله (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) لما بيّن سبحانه في الآية المتقدّمة أنّهم طلبوا آية عنادا ، ومكرا ، ولجاجا ، وأكد ذلك بما ذكره هنا من أنه سبحانه إذا أذاقهم رحمة منه من بعد أن مستهم الضراء ؛ فعلوا مقابل هذه النعمة العظيمة المكر منهم في آيات الله ؛ والمراد بإذاقتهم رحمته سبحانه : أنه وسع عليهم في الأرزاق ، وأدرّ عليهم النعم بالمطر وصلاح الثمار بعد أن مستهم الضرّاء بالجدب وضيق المعايش ، فما شكروا نعمته ، ولا قدروها حق قدرها ، بل أضافوها إلى أصنامهم التي لا تنفع ولا تضرّ ، وطعنوا في آيات الله ، واحتالوا في دفعها بكل حيلة ، وهو معنى المكر فيها. وإذا الأولى : شرطية ، وجوابها : إذا لهم مكر ، وهي : فجائية ، ذكر معنى ذلك الخليل