(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦))
لما ذكر الله سبحانه الوعيد على عدم الإيمان بالمعاد ، ذكر أنّ هذا العذاب من حقّه أن يتأخّر عن هذه الحياة الدنيا. قال القفّال : لما وصفهم بالغفلة أكد ذلك بأن من غاية غفلتهم أن الرسول متى أنذرهم استعجلوا العذاب ، فبين الله سبحانه أنه لا مصلحة في إيصال الشرّ إليهم ، فلعلهم يتوبون ويخرج من أصلابهم من يؤمن ، قيل معنى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) لو عجل الله للناس العقوبة كما يتعجلون بالثواب والخير (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) أي : ماتوا ؛ وقيل المعنى : لو فعل الله مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم ؛ وقيل : الآية خاصة بالكفار الذين أنكروا البعث ، وما يترتب عليه. قال في الكشاف : وضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعارا بسرعة إجابته وإسعافه بطلبتهم حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل له ، والمراد أهل مكة ، وقوله : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) (١) الآية. قيل : والتقدير : ولو يعجّل الله لهم الشرّ عند استعجالهم به تعجيلا مثل تعجيله لهم الخير عند استعجالهم به ، فحذف ما حذف لدلالة الباقي عليه. قال أبو عليّ الفارسي : في الكلام حذف ، والتقدير : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) تعجيلا مثل (اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) ، ثم حذف تعجيلا وأقام صفته مقامه ، ثم حذف صفته وأقام المضاف إليه مقامه قال : هذا مذهب الخليل وسيبويه ، وهو قول الأخفش والفرّاء ، قالوا : وأصله كاستعجالهم ، ثم حذف الكاف ونصب. قال الفراء : كما تقول ضربت زيدا ضربك : أي كضربك ، ومعنى : (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) لأهلكوا ، ولكنه سبحانه لم يعجل لهم الشرّ فأمهلوا ، وقيل معناه : أميتوا ، وقرأ ابن عامر : لقضي على البناء للفاعل ، وهي قراءة حسنة لمناسبة ذلك لقوله : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ). قوله : (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) الفاء للعطف على مقدّر يدلّ عليه الكلام ، لأن قوله : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ) يتضمن نفي التعجيل ، فكأنه قيل : لكن لا يعجل لهم الشرّ ، ولا يقضي إليهم أجلهم ، فنذرهم إلخ ؛ أي : فنتركهم ونمهلهم ، والطغيان : التطاول ، وهو العلوّ والارتفاع ، ومعنى (يَعْمَهُونَ) يتحيرون ؛ أي : نتركهم يتحيرون في تطاولهم ، وتكبرهم ، وعدم قبولهم للحق استدراجا لهم منه سبحانه وخذلانا ؛ ثم بين الله سبحانه أنهم كاذبون في استعجال الشرّ ولو أصابهم ما طلبوه
__________________
(١). الأنفال : ٣٢.