إلى الجنة ، وجملة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) مستأنفة ، أو خبر ثان ، أو في محل نصب على الحال. ومعنى من تحتهم : من تحت بساتينهم ، أو من بين أيديهم ، لأنهم على سرر مرفوعة. وقوله : (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) متعلق بتجري أو بيهديهم أو خبر آخر أو حال من الأنهار. قوله : (دَعْواهُمْ) أي : دعاؤهم ونداؤهم ، وقيل : الدعاء العبادة ، كقوله تعالى : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (١) وقيل معنى دعواهم هنا : الادّعاء الكائن بين المتخاصمين. والمعنى : أن أهل الجنة يدعون في الدنيا والآخرة تنزيه الله سبحانه من المعايب والإقرار له بالإلهية. قال القفال : أصله من الدعاء ، لأن الخصم يدعو خصمه إلى من يحكم بينهما ، وقيل معناه : طريقتهم وسيرتهم ، وذلك أن المدّعى للشيء مواظب عليه فيمكن أن تجعل الدعوى كناية عن الملازمة وإن لم يكن في قوله (سُبْحانَكَ اللهُمَ) دعوى ولا دعاء ؛ وقيل معناه : تمنيهم كقوله : (وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) (٢) وكأن تمنيهم في الجنة ليس إلا تسبيح الله وتقديسه ، وهو مبتدأ وخبره سبحانك اللهم ، و (فِيها) أي : في الجنة. والمعنى على القول الأوّل : أن دعاءهم الذي يدعون به في الجنة هو تسبيح الله وتقديسه. والمعنى : نسبحك يا الله تسبيحا ، قوله : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أي : تحية بعضهم للبعض ، فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل ، أو تحية الله ، أو الملائكة لهم ، فيكون من إضافة المصدر إلى المفعول. وقد مضى تفسير هذا في سورة النساء ، قوله : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح أن يقولوا : الحمد لله رب العالمين. قال النّحّاس : مذهب الخليل أن «أن» هذه مخففة من الثقيلة. والمعنى : أنه الحمد لله ، وقال محمد بن يزيد المبرّد : ويجوز أن تعملها خفيفة عملها ثقيلة. والرفع أقيس ، ولم يحك أبو عبيد إلا التخفيف. وقرأ ابن محيصن : بتشديد أنّ ونصب الحمد.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) قال : مثل قوله (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) (٣) الآية. وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد أيضا في قوله : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) قال : يكون لهم نور يمشون به. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة مثله. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) قال : حدّثنا الحسن قال : بلغنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة حسنة وريح طيبة ، فيقول له : ما أنت؟ فو الله إنّي لأراك عين امرئ صدق ، فيقول له : أنا عملك ، فيكون نورا وقائدا إلى الجنة ؛ وأما الكافر فإذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة وريح منتنة ، فيقول له : ما أنت؟ فو الله إني لأراك عين امرئ سوء ، فيقول له : أنا عملك ، فينطلق به حتى يدخله النار». وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ عن ابن جرير نحوه. وأخرج ابن مردويه عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا قالوا سبحانك اللهم أتاهم ما اشتهوا من الجنّة من ربّهم». وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن أبي الهذيل قال : الحمد أوّل الكلام وآخر الكلام ، ثم تلا : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
__________________
(١). مريم : ٤٨.
(٢). يس : ٥٧.
(٣). هود : ١٥.