الله محمدا صلىاللهعليهوسلم رسولا أنكرت العرب ذلك ، أو من أنكر منهم ، فقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد ، فأنزل الله : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) الآية (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) (١) الآية ، فلما كرر الله سبحانه عليهم الحجج قالوا : وإذا كان بشرا ، فغير محمد كان أحق بالرسالة ، ف (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (٢) يقول : أشرف من محمد ، يعنون : الوليد بن المغيرة من مكة ، ومسعود بن عمرو الثقفي من الطائف ، فأنزل الله ردّا عليهم : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) (٣) الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) قال : ما سبق لهم من السعادة في الذكر الأوّل. وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال : أجرا حسنا بما قدّموا من أعمالهم. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود قال : القدم هو العمل الذي قدموا. قال الله سبحانه (نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) والآثار ممشاهم. قال : مشى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أسطوانتين من مسجدهم ثم قال : هذا أثر مكتوب. وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري في قوله : (قَدَمَ صِدْقٍ) قال : محمد صلىاللهعليهوسلم يشفع لهم. وأخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب مثله. وأخرج الحاكم وصححه عن أبي بن كعب قال : سلف صدق. والروايات عن التابعين وغيرهم في هذه كثيرة ، وقد قدّمنا أكثرها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) قال : يقضيه وحده ، وفي قوله (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) قال : يحييه ثم يميته ثم يحييه.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦))
ذكر هاهنا بعض نعمه على المكلّفين ، وهي ممّا يستدل به على وجوده ، ووحدته ، وقدرته ، وعلمه ، وحكمته بإتقان صنعه في هذين النيرين المتعاقبين على الدّوام بعد ما ذكر قبل هذا إبداعه للسّماوات والأرض ، واستواءه على العرش وغير ذلك. والضياء قيل : جمع ضوء كالسياط والحياض. وقرأ قنبل عن ابن كثير ضئاء بجعل الياء همزة مع الهمزة ، ولا وجه له لأن ياءه كانت واوا مفتوحة ، وأصله ضواء فقلبت ياء لكسر ما قبلها. قال المهدوي : ومن قرأ ضئاء بالهمزة فهو مقلوب ، قدّمت الهمزة التي بعد الألف ، فصارت قبل الألف ، ثم قلبت الياء همزة ، والأولى أن يكون ضياء مصدرا لا جمعا ، مثل قام يقوم قياما ، وصام يصوم صياما ، ولا بدّ من تقدير مضاف ، أي : جعل الشمس ذات ضياء والقمر ذا نور إلا أن يحمل على المبالغة ، وكأنهما جعلا نفس الضياء والنور. قيل : الضياء أقوى من النور ، وقيل : الضياء هو ما كان بالذات ، والنور ما كان بالعرض ، ومن هنا قال الحكماء : إن نور القمر مستفاد من ضوء الشمس. قوله : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) أي : قدر مسيره في منازل ، أو قدره ذا منازل ، والضمير راجع إلى القمر ، ومنازل القمر : هي المسافة التي
__________________
(١). الأنبياء : ٧.
(٢). الزخرف : ٣١.
(٣). الزخرف : ٣٢.