الذي فعل هذه الأشياء العظيمة (اللهُ رَبُّكُمْ) واسم الإشارة : مبتدأ ، وخبره : الاسم الشريف ، وربكم بدل منه ، أو بيان له ، أو خبر ثان ، وفي هذه الجملة زيادة تأكيد لقوله : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ثم أمرهم سبحانه بعبادته بعد أن بين لهم أنه الحقيق بها دون غيره لبديع صنعه وعظيم اقتداره ، فكيف يعبدون الجمادات التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر؟ والاستفهام في قوله : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) للإنكار والتوبيخ والتقريع ، لأن من له أدنى تذكر وأقلّ اعتبار يعلم بهذا ولا يخفى عليه ، ثم بين لهم ما يكون آخر أمرهم بعد الحياة الدنيا ، فقال (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) وفي هذا من التهديد والتخويف ما لا يخفى ، وانتصاب (وَعْدَ اللهِ) على المصدر ، لأن في قوله : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) معنى الوعد ، أو هو منصوب بفعل مقدر ، والمراد بالمرجع : الرجوع إليه سبحانه إما بالموت ، أو بالبعث ، أو كل واحد منهما ، ثم أكد ذلك الوعد بقوله : (حَقًّا) فهو تأكيد لتأكيد ، فيكون في الكلام من الوكادة ما هو الغاية في ذلك. وقرأ ابن أبي عبلة : وعد الله حق على الاستئناف ، ثم علّل سبحانه ما تقدّم بقوله : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي : إن هذا شأنه يبتدئ خلقه من التّراب ثم يعيده إلى التّراب ، أو معنى الإعادة : الجزاء يوم القيامة. قال مجاهد : ينشئه ثم يميته ، ثم يحييه للبعث ؛ وقيل : ينشئه من الماء ثم يعيده من حال إلى حال. وقرأ يزيد بن القعقاع : أنه يبدأ الخلق ، بفتح الهمزة ، فتكون الجملة في موضع نصب بما نصب به وعد الله ، أي : وعدكم أنه يبدأ الخلق ثم يعيده ، ويجوز أن يكون التقدير لأنه يبدأ الخلق ، وأجاز الفراء أن تكون أن في موضع رفع ، فتكون اسما. قال أحمد بن يحيى بن ثعلب : يكون التقدير : حقا إبداؤه الخلق ، ثم ذكر غاية ما يترتب على الإعادة فقال : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) أي : بالعدل الذي لا جور فيه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) يحتمل أن يكون الموصول الآخر معطوفا على الموصول الأوّل ، أي : ليجزي الذين آمنوا ، ويجزي الذين كفروا ، وتكون جملة (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) في محل نصب على الحال هي وما عطف عليها ، أي : وعذاب أليم ، ويكون التقدير هكذا : ويجزي الذين كفروا حال كون لهم هذا الشراب وهذا العذاب ، ولكن يشكل على ذلك أن هذا الشراب وهذا العذاب الأليم هما من الجزاء ، ويمكن أن يقال : إن الموصول في (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) مبتدأ وما بعده خبره ، فلا يكون معطوفا على الموصول الأوّل ، والباء في (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) للسّببية ، أي : بسبب كفرهم ، والحميم : الماء الحار ، وكلّ مسخّن عند العرب فهو حميم.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (الر) قال : فواتح أسماء من أسماء الله. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، وابن النجار في تاريخه عنه قال : في قوله : (الر) أنا الله أرى. وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك مثله أيضا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) قال : يعني هذه. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) قال : الكتب التي خلت قبل القرآن. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : لما بعث