من نلته بالعطية. قال غيره : نلت أنول من العطية ، ونلته أناله : أدركته ، والضمير في (به) يعود إلى كل واحد من الأمور المذكورة ، والعمل الصالح : الحسنة المقبولة ، أي : إلا كتبه الله لهم حسنة مقبولة يجازيهم بها ، وجملة (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) في حكم التّعليل لما سبق مع كونه يشمل كل محسن ، ويصدق على المذكورين هنا صدقا أوّليا. قوله : (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً) معطوف على ما قبله ، أي : ولا يقع منهم الإنفاق في الحرب ، وإن كان شيئا صغيرا يسيرا (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) وهو في الأصل كل منفرج بين جبال ، وآكام يكون منفذا للسيل ، والعرب تقول : واد وأودية على غير قياس. قال النحاس : ولا يعرف فيما علمت فاعل وأفعلة (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) أي : كتب لهم ذلك الذي عملوه من النفقة والسفر في الجهاد (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) به (أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : أحسن جزاء ما كانوا يعملون من الأعمال ، ويجوز أن يكون في قوله : (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) ضمير يرجع إلى عمل صالح. وقد ذهب جماعة إلى أن هذه الآية منسوخة بالآية المذكورة بعدها ، وهي قوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) فإنها تدلّ على جواز التخلف من البعض مع القيام بالجهاد من البعض ، وسيأتي.
وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق عمر بن مالك عن بعض الصحابة قال : لما نزلت : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) الآية ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «والذي بعثني بالحقّ لو لا ضعفاء الناس ما كانت سرية إلا كنت فيها». وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) قال هذا حين كان الإسلام قليلا لم يكن لأحد أن يتخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما كثر الإسلام ، وفشا قال الله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً). وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي وعبد الله بن المبارك وإبراهيم بن محمد الفزاري وعيسى بن يونس السّبيعي أنهم قالوا في قوله تعالى : (وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) قالوا : هذه الآية للمسلمين إلى أن تقوم الساعة.
(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣))
اختلف المفسرون في معنى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) فذهب جماعة إلى أنه من بقية أحكام الجهاد ، لأنه سبحانه لما بالغ في الأمر بالجهاد ، والانتداب إلى الغزو كان المسلمون إذا بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم سرية من الكفار ينفرون جميعا ، ويتركون المدينة خالية ، فأخبرهم الله سبحانه بأنه ما كان لهم ذلك ؛ أي : ما صحّ لهم ، ولا استقام أن ينفروا جميعا ، بل ينفر من كل فرقة منهم طائفة من تلك الفرقة ، ويبقى من عدا هذه الطائفة النافرة. قالوا : ويكون الضمير في قوله : (لِيَتَفَقَّهُوا) عائدا إلى الفرقة الباقية. والمعنى : أن الطائفة من هذه الفرقة تخرج إلى الغزو ، ومن بقي من الفرقة يقفون لطلب العلم ، ويعلمون الغزاة إذا رجعوا إليهم من الغزو ، أو يذهبون في طلبه إلى المكان الذي يجدون فيه من يتعلمون منه ليأخذوا عنه الفقه في الدين ،