في الشعب ، وابن أبي الدنيا ، والضياء في المختارة ، عن أبي سعيد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لو أنّ أحدكم يعمل في صخرة صمّاء ليس لها باب ولا كوّة ، لأخرج الله عمله للناس كائنا ما كان». وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) قال : هم الثلاثة الذي خلّفوا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال : هم هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك من الأوس والخزرج. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدّي في قوله : (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ) يقول : يميتهم على معصية (وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) فأرجأ أمرهم ، ثم نسخها فقال : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا).
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠))
لما ذكر الله أصناف المنافقين وبيّن طرائقهم المختلفة عطف على ما سبق هذه الطّائفة منهم ، وهم الذين اتّخذوا مسجدا ضرارا ، فيكون التقدير : ومنهم الذين اتخذوا على أن الذين مبتدأ ، وخبره منهم محذوف ، والجملة معطوفة على ما تقدّمها ، ويجوز أن يكون الموصول في محل نصب على الذمّ. وقرأ المدنيون وابن عامر : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا) بغير واو ، فتكون قصة مستقلة ، الموصول مبتدأ ، وخبره (لا تَقُمْ) قاله الكسائي. وقال النحاس : إن الخبر هو (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا) وقيل : الخبر محذوف ، والتقدير : يعذبون ، وسيأتي بيان هؤلاء البانين لمسجد الضرار ، و (ضِراراً) منصوب على المصدرية ، أو على العلية (وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً) معطوفة على (ضِراراً). فقد أخبر الله سبحانه : أن الباعث لهم على بناء هذا المسجد أمور أربعة : الأوّل : الضّرار لغيرهم ، وهو المضاررة. الثاني : الكفر بالله والمباهاة لأهل الإسلام ، لأنهم أرادوا ببنائه تقوية أهل النفاق. الثالث : التّفريق بين المؤمنين ، لأنهم أرادوا أن لا يحضروا مسجد قباء ، فتقلّ جماعة المسلمين ، وفي ذلك من اختلاف الكلمة وبطلان الألفة ما لا يخفى. الرابع : الإرصاد لمن حارب الله ورسوله ، أي : الإعداد لأجل من حارب الله ورسوله. قال الزّجّاج : الإرصاد : الانتظار. وقال ابن قتيبة : الإرصاد الانتظار مع العداوة. وقال الأكثرون : هو الإعداد ، والمعنى متقارب ؛ يقال : أرصدت لكذا : إذا أعددته مرتقبا له به. وقال أبو زيد : يقال : رصدته وأرصدته في الخير ، وأرصدت له في الشرّ. وقال ابن الأعرابي : لا يقال إلا أرصدت ، ومعناه : ارتقبت ، والمراد بمن حارب الله ورسوله : المنافقون ، ومنهم أبو عامر الراهب ، أي : أعدّوه لهؤلاء ، وارتقبوا به وصولهم ، وانتظروهم ليصلوا فيه ، حتى يباهوا بهم المؤمنين ، وقوله : (مِنْ قَبْلُ) متعلق باتخذوا ، أي : اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء ويبنوا مسجد