خير وشرّ ، قوله : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً) هذا تنويع لجنس إلى نوعين ، الأوّل : هؤلاء والثاني : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) والمغرم : الغرامة والخسران ، وهو ثان مفعولي يتّخذ ، لأنه بمعنى الجعل ، والمعنى : اعتقد أن الذي ينفقه في سبيل الله غرامة وخسران ، وأصل الغرم والغرامة : ما ينفقه الرجل ، وليس بلازم له في اعتقاده ، ولكنه ينفقه للرياء والتقية ؛ وقيل : أصل الغرم اللزوم كأنه اعتقد أنه يلزمه لأمر خارج لا تنبعث له النفس. و (الدَّوائِرَ) جمع دائرة ، وهي الحالة المنقلبة عن النعمة إلى البلية ، وأصلها ما يحيط بالشيء ، ودوائر الزمان : نوبه وتصاريفه ودولة ، وكأنها لا تستعمل إلا في المكروه ، ثم دعا سبحانه عليهم بقوله (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) وجعل ما دعا به عليهم مماثلا لما أرادوه بالمسلمين ، والسوء بالفتح عند جمهور القراء مصدر أضيفت إليه الدائرة للملابسة كقولك رجل صدق. وقرأ أبو عمرو وابن كثير بضم السين ، وهو المكروه. قال الأخفش : أي عليهم دائرة الهزيمة والشرّ. وقال الفرّاء (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) العذاب والبلاء. قال : والسوء بالفتح مصدر سؤته سوءا ومساءة ، وبالضم اسم لا مصدر ، وهو كقولك : دائرة البلاء ، والمكروه (وَاللهُ سَمِيعٌ) لما يقولونه (عَلِيمٌ) بما يضمرونه. قوله : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) هذا النوع الثاني من أنواع الأعراب كما تقدّم ، أي : يصدّق بهما (وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ) أي : يجعل ما ينفقه في سبيل الله (قُرُباتٍ) وهي جمع قربة ، وهي ما يتقرّب به إلى الله سبحانه ، تقول منه : قرّبت لله قربانا ، والجمع قرب وقربات. والمعنى : أنه يجعل ما ينفقه سببا لحصول القربات (عِنْدَ اللهِ وَ) سببا ل (صَلَواتِ الرَّسُولِ) أي لدعوات الرسول لهم ، لأنه صلىاللهعليهوسلم كان يدعو للمتصدقين ، ومنه قوله : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) ، ومنه قوله «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» ثم إنه سبحانه بين بأن ما ينفقه هذا النوع من الأعراب تقرّبا إلى الله مقبول واقع على الوجه الذي أرادوه فقال : (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) فأخبر سبحانه بقبولها خبرا مؤكدا باسمية الجملة ، وحرفي التنبيه والتحقيق ، وفي هذا من التطييب لخواطرهم ، والتطمين لقلوبهم ما لا يقادر قدره ؛ مع ما يتضمنه من النعي على من يتخذ ما ينفق مغرما ، والتوبيخ له بأبلغ وجه ، والضمير في إنها راجع إلى «ما» في ما ينفق ، وتأنيثه باعتبار الخبر. وقرأ نافع ، في رواية عنه (قُرْبَةٌ) بضم الراء ، وقرأ الباقون بسكونها تخفيفا ، ثم فسر سبحانه القربة بقوله : (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) والسين لتحقيق الوعد.
وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن السدّي في قوله : (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) قال : أخبرنا أنكم لو خرجتم ما زدتمونا إلا خبالا ، وفي قوله : (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) قال : لما رجع النبي صلىاللهعليهوسلم قال للمؤمنين لا تكلموهم ، ولا تجالسوهم ، فأعرضوا عنهم كما أمر الله. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله : (لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) قال : لتجاوزوا عنهم. وأخرج أبو الشيخ عنه في قوله : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) قال : من منافقي المدينة (وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) يعني : الفرائض وما أمر به من الجهاد. وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي أن هذه الآية نزلت في أسد وغطفان. وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من سكن