وحذف المحلوف عليه : لكون الكلام يدلّ عليه ، وهو اعتذارهم الباطل ، وأمر المؤمنين بالإعراض عنهم المراد : به تركهم والمهاجرة لهم ، لا الرضا عنهم والصفح عن ذنوبهم ، كما تفيده جملة (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) الواقعة علّة للأمر بالإعراض. والمعنى : أنهم في أنفسهم رجس لكون جميع أعمالهم نجسة ، فكأنها قد صيّرت ذواتهم رجسا ، أو أنهم ذوو رجس ، أي : ذوو أعمال قبيحة ، ومثله (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) وهؤلاء لما كانوا هكذا ؛ كانوا غير متأهلين لقبول الإرشاد إلى الخير ، والتحذير من الشرّ ، فليس لهم إلا الترك ، وقوله (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) من تمام التعليل ؛ فإن من كان من أهل النار لا يجدي فيه الدعاء إلى الخير ، والمأوى : كل مكان يأوي إليه الشيء ليلا أو نهارا. وقد أوى فلان إلى منزله يأوي أويا وإيواء ، و (جَزاءً) منصوب على المصدرية ، أو على العلية ، والباء في (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) للسببية ، وجملة (يَحْلِفُونَ لَكُمْ) بدل مما تقدّم. وحذف هنا المحلوف به لكونه معلوما مما سبق ، والمحلوف عليه لمثل ما تقدّم ، وبين سبحانه أن مقصدهم بهذا الحلف هو رضا المؤمنين عنهم ، ثم ذكر ما يفيد أنه لا يجوز الرضا عن هؤلاء المعتذرين بالباطل ، فقال : (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ) كما هو مطلوبهم مساعدة لهم (فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) وإذا كان هذا هو ما يريده الله سبحانه من عدم الرضا على هؤلاء الفسقة العصاة ، فينبغي لكم أيها المؤمنون أن لا تفعلوا خلاف ذلك بل واجب عليكم أن لا ترضوا عنهم ، على أنّ رضاكم عنهم لو وقع لكان غير معتدّ به ، ولا مفيد لهم ، والمقصود من إخبار الله سبحانه بعدم رضاه عنهم : نهي المؤمنين عن ذلك ؛ لأن الرضا على من لا يرضى الله عليه مما لا يفعله مؤمن. قوله : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) لما ذكر الله سبحانه أحوال المنافقين بالمدينة ؛ ذكر حال من كان خارجا عنها من الأعراب ؛ وبيّن أن كفرهم ونفاقهم أشدّ من كفر غيرهم ، ومن نفاق غيرهم ، لأنهم أقسى قلبا ، وأغلظ طبعا ، وأجفى قولا ، وأبعد عن سماع كتب الله ، وما جاءت به رسله. والأعراب : هم من سكن البوادي بخلاف العرب ، فإنه عام لهذا النوع من بني آدم ، سواء سكنوا البوادي أو القرى ، هكذا قال أهل اللغة ، ولهذا قال سيبويه : إن الأعراب صيغة جمع ، وليست بصيغة جمع العرب. قال النيسابوري : قال أهل اللغة : رجل عربي إذا كان نسبه إلى العرب ثابتا ، وجمعه عرب كالمجوسيّ والمجوس. واليهوديّ واليهود ؛ فالأعرابي إذا قيل له يا عربي فرح ، وإذا قيل للعربي يا أعرابي غضب ، وذلك أن من استوطن القرى العربية فهو عربي ، ومن نزل البادية فهو أعرابي ، ولهذا لا يجوز أن يقال للمهاجرين والأنصار أعراب ، وإنما هم عرب ، قال : قيل إنما سمي العرب عربا لأن أولاد إسماعيل عليهالسلام نشئوا بالعرب ، وهي من تهامة فنسبوا إلى بلدهم ، وكل من يسكن جزيرة العرب وينطق بلسانهم فهو منهم ؛ وقيل : لأن ألسنتهم معربة عما في ضمائرهم ، ولما في لسانهم من الفصاحة ، والبلاغة ، انتهى. (وَأَجْدَرُ) معطوف على أشد ، ومعناه : أخلق ، يقال : فلان جدير بكذا ، أي : خليق به ، وأنت جدير أن تفعل كذا ، والجمع : جدر ، أو جديرون. وأصله من جدر الحائط ، وهو رفعه بالبناء. والمعنى : أنهم أحق وأخلق ب (أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ) من الشرائع ، والأحكام ، لبعدهم عن مواطن الأنبياء ، وديار التنزيل (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوال مخلوقاته على العموم ، وهؤلاء منهم (حَكِيمٌ) فيما يجازيهم به من