ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم» ، وجملة (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) مقرّرة لمضمون ما سبق ، أي : ليس على المعذورين الناصحين من سبيل ، أي : طريق عقاب ومؤاخذة ، ومن : مزيدة للتأكيد ، وعلى هذا فيكون لفظ (الْمُحْسِنِينَ) موضوعا في موضع الضمير الراجع إلى المذكورين سابقا ، أو يكون المراد : ما على جنس المحسنين من سبيل ، وهؤلاء المذكورين سابقا من جملتهم ، فتكون الجملة تعليلية ، وجملة (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تذييلية ، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، وقوله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) (١) ، وإسقاط التّكليف عن هؤلاء المعذورين لا يستلزم عدم ثبوت ثواب الغزو لهم ؛ الذي عذرهم الله عنه مع رغبتهم إليه لولا حبسهم العذر عنه ، ومنه حديث أنس عند أبي داود وأحمد ، وأصله في الصحيحين : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لقد تركتم بعدكم قوما ؛ ما سرتم من مسير ؛ ولا أنفقتم من نفقة ؛ ولا قطعتم واديا ؛ إلا وهم معكم فيه» ، قالوا : يا رسول الله! وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ فقال : حبسهم العذر». وأخرجه أحمد ومسلم من حديث جابر ، ثم ذكر الله سبحانه من جملة المعذورين من تضمنه قوله (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) والعطف على جملة (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ) أي : ولا على الذين إذا ما أتوك إلى آخره من سبيل ، ويجوز أن تكون عطفا على الضعفاء ، أي : ولا على الذين إذا ما أتوك إلى آخره حرج. والمعنى : أن من جملة المعذورين هؤلاء الذين أتوك لتحملهم على ما يركبون عليه في الغزو ؛ فلم تجد ذلك الذي طلبوه منك. قيل : وجملة (لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) في محل نصب على الحال من الكاف في أتوك بإضمار قد ، أي : إذا ما أتوك قائلا لا أجد ؛ وقيل : هي بدل من أتوك ؛ وقيل : جملة معترضة بين الشرط والجزاء ، والأوّل أولى. وقوله : (تَوَلَّوْا) جواب إذا ، وجملة (وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) في محل نصب على الحال ، أي : تولوا عنك لما قلت لهم لا أجد ما أحملكم عليه حال كونهم باكين ، و (حَزَناً) منصوب على المصدرية ، أو على العلية ، أو الحالية ، و (أَلَّا يَجِدُوا) مفعول له ، وناصبه (حَزَناً) ، وقال الفرّاء : أن لا بمعنى ليس ؛ أي حزنا أن ليس يجدوا ؛ وقيل المعنى : حزنا على أن لا يجدوا ؛ وقيل المعنى : حزنا أنهم لا يجدون ما ينفقون لا عند أنفسهم ولا عندك. ثم ذكر الله سبحانه من عليه السبيل من المتخلفين فقال : (إِنَّمَا السَّبِيلُ) أي : طريق العقوبة والمؤاخذة (عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) في التخلف عن الغزو ، (وَ) الحال أن (هُمْ أَغْنِياءُ) أي : يجدون ما يحملهم وما يتجهزون به ، وجملة (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) مستأنفة ، كأنه قيل : ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء؟ وقد تقدّم تفسير الخوالف قريبا. وجملة (وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) معطوفة على (رَضُوا) أي : سبب الاستئذان مع الغنى أمران : أحدهما : الرضا بالصفقة الخاسرة ، وهي أن يكونوا مع الخوالف والثاني : الطبع من الله على قلوبهم (فَهُمْ) بسبب هذا الطبع (لا يَعْلَمُونَ) ما فيه الربح لهم حتى يختاروه على ما فيه الخسر.
وقد أخرج ابن أبي حاتم والدار قطني في الإفراد وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال : كنت أكتب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت براءة ، فكنت أكتب ما أنزل عليه ، فإني لواضع القلم عن أذني إذ أمرنا بالقتال ، فجعل
__________________
(١). النور : ٦١.