فك الرقاب بأن يشتري رقابا ثم يعتقها. روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر ، وبه قال مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد. وقال الحسن البصري ومقاتل بن حيان وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير والنّخعي والزّهري وابن زيد : إنهم المكاتبون يعانون من الصدقة على مال الكتابة ، وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي ورواية عن مالك ، والأولى حمل ما في الآية على القولين جميعا ، لصدق الرقاب على شراء العبد وإعتاقه ، وعلى إعانة المكاتب على مال الكتابة. قوله : (وَالْغارِمِينَ) هم الذين ركبتهم الدّيون ولا وفاء عندهم بها ، ولا خلاف في ذلك إلّا من لزمه دين في سفاهة فإنه لا يعطى منها ولا من غيرها إلا أن يتوب. وقد أعان النبيّ صلىاللهعليهوسلم من الصدقة من تحمل حمالة ، وأرشد إلى إعانته منها. قوله (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) هم الغزاة والمرابطون يعطون من الصدقة ما ينفقون في غزوهم ومرابطتهم ، وإن كانوا أغنياء ، وهذا قول أكثر العلماء. وقال ابن عمر : هم الحجاج والعمار ، وروي عن أحمد وإسحاق أنهما جعلا الحج من سبيل الله. وقال أبو حنيفة وصاحباه : لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيرا منقطعا به. قوله (وَابْنِ السَّبِيلِ) هو المسافر ، والسبيل : الطريق ، ونسب إليها المسافر لملازمته إياها ، والمراد : الذي انقطعت به الأسباب في سفره عن بلده ، ومستقرّه ، فإنه يعطى منها وإن كان غنيا في بلده ، وإن وجد من يسلفه. وقال مالك : إذا وجد من يسلفه فلا يعطى. قوله (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) مصدر مؤكد ، لأن قوله (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) معناه : فرض الله الصدقات لهم. والمعنى : أن كون الصدقات مقصورة على هذه الأصناف هو حكم لازم ، فرضه الله على عباده ، ونهاهم عن مجاوزته (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوال عباده (حَكِيمٌ) في أفعاله ؛ وقيل : إن (فَرِيضَةً) منتصبة بفعل مقدّر ، أي : فرض الله ذلك فريضة. قال في الكشاف : فإن قلت لم عدل عن اللام إلى (فِي) في الأربعة الآخرة؟ قلت : للإيذان بأنها أرسخ في استحقاق التصدّق عليهم ممن سبق ذكره ؛ وقيل : النكتة في العدول : أن الأصناف الأربعة الأول يصرف المال إليهم حتى يتصرفوا به كما شاؤوا ، وفي الأربعة الأخيرة لا يصرف المال إليهم ، بل يصرف إلى جهات الحاجات المعتبرة في الصفات التي لأجلها استحقّوا سهم الزكاة ، كذا قيل.
وقد أخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : «بينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التيمي فقال : اعدل يا رسول الله ، فقال : ويحك ، ومن يعدل إذا لم أعدل؟ فقال عمر بن الخطاب : ائذن لي فأضرب عنقه فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : دعه ؛ فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السّهم من الرمية». الحديث ، حتى قال : وفيهم نزلت (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ). وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ) قال : يرزؤك ، يسألك. وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال : يطعن عليك. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : لما قسم النبيّ صلىاللهعليهوسلم غنائم حنين سمعت رجلا يقول : إن هذه لقسمة ما أريد بها الله ، فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم وذكرت ذلك له ، فقال «رحمة الله على موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر ، ونزل (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ)». وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نسخت هذه آية كل صدقة في القرآن (إِنَّمَا