أي عيّاب. قال الزّجّاج : لمزت الرجل ألمزه وألمزه ، بكسر الميم وضمها : إذا عبته ، وكذا همزته. ومعنى الآية : ومن المنافقين من يعيبك في الصدقات ؛ أي : في تفريقها وقسمتها. وروى عن مجاهد أنه قال : معنى (يَلْمِزُكَ) : يرزؤك ويسألك ، والقول عند أهل اللغة هو الأوّل كما قال النحاس. وقرئ يلمزك بضم الميم ، ويلمزك بكسرها مع التشديد. وقرأ الجمهور بكسرها مخففة ، (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها) أي : من الصّدقات بقدر ما يريدون (رَضُوا) بما وقع من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يعيبوه ، وذلك لأنه لا مقصد لهم إلا حطام الدنيا ، وليسوا من الدين في شيء (وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها) أي : من الصدقات ما يريدونه ويطلبونه (إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) أي : وإن لم يعطوا فاجؤوا السخط ، وفائدة إذا الفجائية أن الشرط مفاجىء للجزاء وهاجم عليه. وقد نابت إذا الفجائية مناب فاء الجزاء (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) أي : ما فرضه الله لهم ، وما أعطاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الصدقات ، وجواب لو محذوف ، أي : لكان خيرا لهم فإن فيما أعطاهم الخير العاجل والآجل (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) أي : قالوا هذه المقالة عند أن أعطاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما هو لهم ، أي : كفانا الله ، سيعطينا من فضله ، ويعطينا رسوله بعد هذا ما نرجوه ونؤمله (إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) في أن يعطينا من فضله ما نرجوه. قوله : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) لما لمز المنافقون رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قسمة الصدقات بين الله لهم مصرفها دفعا لطعنهم وقطعا لشغبهم ، و (إِنَّمَا) من صيغ القصر ، وتعريف الصدقات للجنس ، أي : جنس هذه الصدقات مقصور على هذه الأصناف المذكورة لا تجاوزها ، بل هي لهم لا لغيرهم.
وقد اختلف أهل العلم هل يجب تقسيط الصدقات على هذه الأصناف الثمانية ، أو يجوز صرفها إلى البعض دون البعض على حسب ما يراه الإمام أو صاحب الصدقة؟ فذهب إلى الأوّل الشافعي وجماعة من أهل العلم ، وذهب إلى الثاني مالك وأبو حنيفة ، وبه قال عمر وحذيفة وابن عباس وأبو العالية وسعيد بن جبير وميمون ابن مهران. قال ابن جرير وهو قول عامة أهل العلم : احتج الأوّلون بما في الآية من القصر وبحديث زياد ابن الحرث الصدائي عند أبي داود والدارقطني قال : أتيت النبي صلىاللهعليهوسلم فبايعته ، فأتى رجل فقال : أعطني من الصدقة ، فقاله له : إن الله لم يرض بحكم نبيّ ولا غيره من الصدقات حتى حكم فيها هو ؛ فجزّأها ثمانية أصناف ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك. وأجاب الآخرون : بأن ما في الآية من القصر إنما هو لبيان الصرف والمصرف ، لا لوجوب استيعاب الأصناف ، وبأن في إسناد الحديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف. ومما يؤيد ما ذهب إليه الآخرون قوله تعالى (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (١) والصّدقة تطلق على الواجبة كما تطلق على المندوبة. وصح عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أمرت أن آخذ الصّدقة من أغنيائكم وأردّها في فقرائكم». وقد ادّعى مالك الإجماع على القول الآخر. قال ابن عبد البرّ : يريد إجماع الصحابة فإنه لا يعلم له مخالفا منهم. قوله : (لِلْفُقَراءِ) قدمهم لأنهم أحوج من البقية على المشهور لشدّة فاقتهم وحاجتهم.
وقد اختلف أهل العلم في الفرق بين الفقير والمسكين على أقوال ؛ فقال يعقوب بن السّكّيت والقتبي ويونس
__________________
(١). البقرة : ٢٧١.