«إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض». وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر قال : وقف رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالعقبة فقال : «إنّما النّسيء من الشيطان زيادة في الكفر يضلّ به الذين كفروا يحلّونه عاما ويحرّمونه عاما ، فكانوا يحرّمون المحرّم عاما ويستحلّون صفر ، ويحرّمون صفر عاما ويستحلّون المحرّم ، وهي النّسيء». وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : كان جنادة بن عوف الكناني يوافي الموسم كلّ عام ، وكان يكنى أبا ثمامة ، فينادي : ألا إن أبا ثمامة لا يحاب ولا يعاب ، ألا وإن صفر الأوّل العام حلال فيحلّه للناس ، فيحرّم صفر عاما ، ويحرّم المحرّم عاما. فذلك قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال : المحرّم كانوا يسمّونه صفر ، وصفر يقولون صفران الأوّل والآخر ، يحلّ لهم مرّة الأوّل ، ومرّة الآخر. وأخرج ابن مردويه عنه قال : كانت النساة حيا من بني مالك من كنانة من بني فقيم ، فكان آخرهم رجلا يقال له القلمّس ، وهو الذي أنسأ المحرم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠) انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢))
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لما شرح معايب أولئك الكفار عاد إلى ترغيب المؤمنين في قتالهم ، والاستفهام في (ما لَكُمْ) للإنكار والتوبيخ ، أي : أيّ شيء يمنعكم عن ذلك ، ولا خلاف أن هذه الآية نزلت عتابا لمن تخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك ، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام ، والنفر : هو الانتقال بسرعة من مكان إلى مكان لأمر يحدث. قوله : (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) أصله تثاقلتم ، أدغمت التاء في الثاء لقربها منها ، وجيء بألف الوصل ليتوصل بها إلى النطق بالساكن ، ومثله : ادّاركوا ، واطيرتم ، واطيروا ، وأنشد الكسائي :
تولي الضّجيع إذا ما استافها خصرا |
|
عذب المذاق إذا ما اتّابع القبل |
وقرأ الأعمش تثاقلتم على الأصل ، ومعناه تباطأتم ، وعدّي بإلى لتضمنه معنى الميل والإخلاد ؛