الأولى أبو حاتم ، واختار القراءة الثانية أبو عبيد. وقرأ الحسن وأبو رجاء ويعقوب : يضل بضم الياء وكسر الضاد على أن فاعله الموصول ، ومفعوله محذوف ، ويجوز أن يكون فاعله هو الله سبحانه ومفعوله الموصول. وقرئ بفتح الياء والضاد من ضلّ يضلّ. وقرئ نضلّ بالنون. قوله (يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) الضمير راجع إلى النسيء ، أي : يحلون النسيء عاما ويحرّمونه عاما ، أو إلى الشهر الذي يؤخرونه ويقاتلون فيه ، أي : يحلونه عاما بإبداله بشهر آخر من شهور الحل ، ويحرّمونه عاما ، أي : يحافظون عليه فلا يحلون فيه القتال ، بل يبقونه على حرمته. قوله : (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) أي : لكي يواطئوا ، والمواطأة : الموافقة ، يقال : تواطأ القوم على كذا : أي : توافقوا عليه واجتمعوا. والمعنى : إنهم لم يحلوا شهرا إلا حرّموا شهرا لتبقى الأشهر الحرم أربعة. قال قطرب : معناه : عمدوا إلى صفر فزادوه في الأشهر الحرم وقرنوه بالمحرّم في التحريم. وكذا قال الطبري. قوله : (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) أي : من الأشهر الحرم التي أبدلوها بغيرها (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) أي : زيّن لهم الشيطان الأعمال السّيئة التي يعملونها. ومن جملتها النسيء. وقرئ على البناء للفاعل (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) أي : المصرّين على كفرهم ، المستمرين عليه ، فلا يهديهم هداية توصلهم إلى المطلوب. وأما الهداية بمعنى الدلالة على الحق والإرشاد إليه فقد نصبها الله سبحانه لجميع عباده.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي بكر أن النبي صلىاللهعليهوسلم خطب في حجته قال : «إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السّموات والأرض ، السّنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرّم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان». وأخرج نحوه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من حديث ابن عمر. وأخرج نحوه ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه من حديث ابن عباس. وأخرج نحوه أيضا البزار وابن جرير وابن مردويه من حديث أبي هريرة. وأخرجه أحمد وابن مردويه من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه مرفوعا مطوّلا. وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن ابن عباس (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) قال : المحرّم ، ورجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال : إنما سمّين حرما لئلا يكون فيهنّ حرب. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشّعب ، عن ابن عباس في قوله : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ) ثم اختصّ من ذلك أربعة أشهر فجعلهنّ حرما ، وعظّم حرماتهنّ. وجعل الدّين فيهنّ أعظم ، والعمل الصّالح والأجر أعظم (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) قال : كلهنّ (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) يقول جميعا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) قال : نسخت هذه الآية كل آية فيها رخصة. وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال : كانت العرب يحلون عاما شهرا وعاما شهرين ، ولا يصيبون الحجّ إلا في كلّ عشرين سنة مرة ، وهي النسيء الذي ذكره الله في كتابه ، فلما كان عام حجّ أبو بكر بالناس وافق ذلك العام ، فسمّاه الله الحجّ الأكبر ، ثم حج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من العام المقبل ، واستقبل الناس الأهلة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :