وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود «عايلة» وهو مصدر كالقائلة والعافية والعاقبة ؛ وقيل معناه : خصلة شاقة ، يقال عالني الأمر يعولني : أي شقّ عليّ واشتدّ. وحكى ابن جرير الطبري أنه يقال عال يعول : إذا افتقر ، وكان المسلمون لما منعوا المشركين من الموسم وهم كانوا يجلبون إليه الأطعمة والتجارات ، قذف الشيطان في قلوبهم الخوف من الفقر وقالوا : من أين نعيش؟ فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله. قال الضحاك : ففتح الله عليهم باب الجزية من أهل الذمة بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الآية ، وقال عكرمة : أغناهم بإدرار المطر والنّبات وخصب الأرض ، وأسلمت العرب فحملوا إلى مكة ما أغناهم الله به. وقيل : أغناهم بالفيء ، وفائدة التقييد بالمشيئة التعليم للعباد بأن يقولوا ذلك في كل ما يتكلمون به مما له تعلق بالزمن المستقبل ، ولئلا يفتروا عن الدعاء والتضرّع (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بأحوالكم (حَكِيمٌ) في إعطائه ومنعه ، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. قوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الآية ، فيه الأمر بقتال من جمع بين هذه الأوصاف. قال أبو الوفاء بن عقيل : إن قوله : (قاتِلُوا) أمر بالعقوبة ، ثم قال : (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) فبين الذنب الذي توجبه العقوبة ، ثم قال : (وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) فأكد الذنب في جانب الاعتقاد ، ثم قال : (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) فيه زيادة للذنب في مخالفة الأعمال ، ثم قال : (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) فيه إشارة إلى تأكيد المعصية بالانحراف والمعاندة والأنفة عن الاستسلام ، ثم قال : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) تأكيد للحجة عليهم لأنهم كانوا يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، ثم قال : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) فبين الغاية التي تمتد إليها العقوبة. انتهى قوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) بيان للموصول مع ما في حيزه ، وهم أهل التوراة والإنجيل. قوله : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) الجزية ، وزنها فعلة من جزى يجزي : إذا كافأ عما أسدي إليه ، فكأنهم أعطوها جزاء عما منحوا من الأمن ؛ وقيل : سميت جزية لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجزوه ، أي : يقضوه ، وهي في الشرع : ما يعطيه المعاهد على عهده ، و (عَنْ يَدٍ) في محل نصب على الحال. والمعنى : عن يد مواتية ، غير ممتنعة ، وقيل : معناه يعطونها بأيديهم غير مستنيبين فيها أحدا ؛ وقيل : معناه : نقد غير نسيئة ؛ وقيل : عن قهر ؛ وقيل : معناه ؛ عن إنعام منكم عليهم ، لأن أخذها منهم نوع من أنواع الإنعام عليهم ؛ وقيل معناه مذمومون. وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه الثوري وأبو ثور إلى أنها لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب. وقال الأوزاعي ومالك : إن الجزية تؤخذ من جميع أجناس الكفرة كائنا من كان ، ويدخل في أهل الكتاب على القول الأوّل المجوس ، قال ابن المنذر : لا أعلم خلافا في أن الجزية تؤخذ منهم.
واختلف أهل العلم في مقدار الجزية ، فقال عطاء : لا مقدار لها ، وإنما تؤخذ على ما صولحوا عليه ، وبه قال يحيى بن آدم وأبو عبيد وابن جرير إلا أنه قال : أقلها دينار وأكثرها لا حدّ له. وقال الشافعي : دينار على الغنيّ والفقير من الأحرار البالغين لا ينقص منه شيء ، وبه قال أبو ثور. قال الشافعي : وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز ، وإذا زادوا وطابت بذلك أنفسهم قبل منهم. وقال مالك : إنها أربعة دنانير على أهل الذهب ، وأربعون درهما على أهل الورق ، الغنيّ والفقير سواء ، ولو كان مجوسيا ، لا يزيد ولا ينقص. وقال