من أهل العلم منهم مجاهد وابن إسحاق وابن زيد وعمرو بن شعيب. وقيل : هي الأشهر المذكورة في قوله (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ). وقد روي ذلك عن ابن عباس وجماعة ، ورجحه ابن كثير ، وحكاه عن مجاهد وعمرو بن شعيب ومحمد بن إسحاق وقتادة والسدّي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وسيأتي بيان حكم القتال في الأشهر الحرم الدائرة في كل سنة في هذه السورة إن شاء الله. ومعنى (حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) : في أيّ مكان وجدتموهم من حلّ أو حرم. ومعنى (خُذُوهُمْ) الأسر ، فإن الأخيذ هو الأسير. ومعنى الحصر : منعهم من التصرّف في بلاد المسلمين إلا بإذن منهم ، والمرصد : الموضع الذي يرقب فيه العدوّ ، يقال : رصدت فلانا أرصده ، أي : رقبته ، أي : اقعدوا لهم في المواضع التي ترتقبونهم فيها. قال عامر بن الطّفيل :
ولقد علمت وما إخالك عالما |
|
أنّ المنيّة للفتى بالمرصد |
وقال عديّ :
أعاذل إنّ الجهل من لذّة الفتى |
|
وإنّ المنايا للنفوس بمرصد |
وكل في (كُلَّ مَرْصَدٍ) منتصب على الظرفية وهو اختيار الزّجّاج ، وقيل : هو منتصب بنزع الخافض ، أي : في كل مرصد ، وخطّأ أبو عليّ الفارسي الزّجّاج في جعله ظرفا. وهذه الآية المتضمّنة للأمر بقتل المشركين عند انسلاخ الأشهر الحرم ؛ عامة لكل مشرك لا يخرج عنها إلا من خصته السنة ، وهو المرأة والصبيّ والعاجز الذي لا يقاتل ، وكذلك يخصص منها أهل الكتاب الذين يعطون الجزية على فرض تناول لفظ المشركين لهم ، وهذه الآية نسخت كل آية فيها ذكر الإعراض عن المشركين ، والصبر على أذاهم. وقال الضحّاك وعطاء والسدّي : هي منسوخة بقوله (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) (١) وأن الأسير لا يقتل صبرا ، بل يمن عليه ، أو يفادى. وقال مجاهد وقتادة : بل هي ناسخة لقوله (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) وأنه لا يجوز في الأسارى من المشركين إلا القتل. وقال ابن زيد : الآيتان محكمتان. قال القرطبي : وهو الصّحيح لأن المنّ والقتل والفداء لم تزل من حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيهم من أوّل حرب جاء بهم ، وهو يوم بدر. قوله : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) أي : تابوا عن الشرك الذي هو سبب القتل ، وحقّقوا التوبة بفعل ما هو من أعظم أركان الإسلام ، وهو إقامة الصّلاة ، وهذا الركن اكتفى به عن ذكر ما يتعلق بالأبدان من العبادات لكونه رأسها ، واكتفى بالركن الآخر المالي ، وهو إيتاء الزّكاة عن كلّ ما يتعلّق بالأموال من العبادات ، لأنه أعظمها (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) أي : اتركوهم وشأنهم ، فلا تأسروهم ، ولا تحصروهم ، ولا تقتلوهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لهم (رَحِيمٌ) بهم. قوله : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) ، يقال : استجرت فلانا ، أي : طلبت أن يكون جارا ؛ أي : محاميا ومحافظا من أن يظلمني ظالم ، أو يتعرّض لي متعرّض ، وأحد مرتفع بفعل مقدّر يفسره المذكور بعده ، أي : وإن استجارك أحد استجارك ، وكرهوا الجمع بين المفسر والمفسر. والمعنى : وإن استجارك أحد من المشركين الذين أمرت بقتالهم فأجره ، أي : كن جارا له مؤمنا
__________________
(١). محمد : ٤.