خاصة ، و (يَوْمَ الْحَجِ) ظرف لقوله وأذان ، ووصفه بالأكبر لأنه يجتمع فيه الناس ، أو لكون معظم أفعال الحج فيه.
وقد اختلف العلماء في تعيين هذا اليوم المذكور في الآية ، فذهب جمع منهم : عليّ بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وابن أبي أوفى ، والمغيرة بن شعبة ، ومجاهد ، أنه يوم النحر ، ورجحه ابن جرير. وذهب آخرون منهم : عمر ، وابن عباس ، وطاوس ، أنه يوم عرفة ، والأوّل أرجح ، لأن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أمر من بعثه لإبلاغ هذا إلى المشركين أن يبلغهم يوم النحر. قوله : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) قرئ بفتح أن على تقدير بأنّ الله بريء من المشركين ، فحذفت الباء تخفيفا. وقرئ بكسرها ، لأن في الإيذان معنى القول ، وارتفاع رسوله على أنه معطوف على موضع اسم أن ، أو على الضمير في بريء ، أو على أنه مبتدأ وخبره محذوف ، والتقدير : ورسوله بريء منهم. وقرأ الحسن وغيره ورسوله بالنصب عطفا على لفظ اسم أن. وقرئ ورسوله بالجرّ على أن الواو للقسم ، روي ذلك عن الحسن ، وهي قراءة ضعيفة جدا ، إذ لا معنى للقسم برسول الله صلىاللهعليهوسلم هاهنا مع ما ثبت من النهي عن الحلف بغير الله ؛ وقيل إنه مجرور على الجوار. قوله (فَإِنْ تُبْتُمْ) أي : من الكفر ، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ، قيل : وفائدة هذا الالتفات زيادة التهديد ، والضمير في قوله (فَهُوَ) راجع إلى التوبة المفهومة من تبتم (خَيْرٌ لَكُمْ) مما أنتم فيه من الكفر (وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي : أعرضتم عن التوبة ، وبقيتم على الكفر (فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) أي : غير فائتين عليه ، بل هو مدرككم ، فمجازيكم بأعمالكم. قوله (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) هذا تهكّم بهم ، وفيه من التّهديد ما لا يخفى.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) إلى أهل العهد خزاعة ومدلج ؛ ومن كان له عهد قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم من تبوك حين فرغ منها فأراد الحج ، ثم قال : إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة فلا أحبّ أن أحجّ حتى لا يكون ذلك ، فأرسل أبا بكر وعليا فطافا في الناس بذي المجاز ، وبأمكنتهم التي كانوا يبيعون بها ، أو بالموسم كله ، فآذنوا أصحاب العهد أن يأمنوا أربعة أشهر ، وهي الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر تخلو من ربيع الآخر ، ثم لا عهد لهم ، وآذن الناس كلهم بالقتال إلى أن يموتوا. وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وأبو الشيخ وابن مردويه عن عليّ قال :
لما نزلت عشر آيات من براءة على النبيّ صلىاللهعليهوسلم دعا أبا بكر ليقرأها على أهل مكة ، ثم دعاني فقال لي : أدرك أبا بكر ، فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه فاقرأه على أهل مكة ، فلحقته فأخذت الكتاب منه ، ورجع أبو بكر وقال : يا رسول الله! نزل فيّ شيء؟ قال : لا ، ولكن جبريل جاءني فقال : لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وأبو الشيخ وابن مردويه من حديث أنس نحوه. وأخرج ابن مردويه من حديث سعيد بن أبي وقاص نحوه أيضا. وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة قال : كنت مع عليّ حين بعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أهل مكة ببراءة ، فكنا ننادي : أنه لا يدخل