قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وحكى الفراء أنه يقال في جمع خيفة : خيف. قال الجوهري : والخيفة : الخوف والجمع : خيف ، وأصله الواو ، أي : خوف (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) أي : دون المجهور به من القول وهو معطوف على ما قبله ، أي : متضرعا ، وخائفا ، ومتكلما بكلام هو دون الجهر من القول ، و (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) متعلق باذكر أي أوقات الغدوات وأوقات الأصائل ، والغدو : جمع غدوة ، والآصال : جمع أصيل ، قاله الزجّاج والأخفش ، مثل يمين وأيمان ، وقيل : الآصال جمع أصل ، والأصل جمع أصيل فهو على هذا جمع الجمع ، قاله الفرّاء. قال الجوهري : الأصيل الوقت من بعد العصر إلى المغرب ، وجمعه أصل وآصال وأصائل كأنه جمع أصيلة. قال الشاعر :
لعمري لأنت البيت أكرم أهله |
|
وأقعد في أفنائه بالأصائل |
ويجمع أيضا على أصلان مثل بعير وبعران ، وقرأ أبو مجلز والإيصال وهو مصدر. وخصّ هذين الوقتين لشرفهما ، والمراد دوام الذكر لله (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) أي : عن ذكر الله (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) المراد بهم : الملائكة. قال القرطبي : بالإجماع. قال الزجاج : وقال : عند ربك ، والله عزوجل بكل مكان ، لأنهم قريبون من رحمته ، وكل قريب من رحمة الله عزوجل فهو عنده. وقال غيره : لأنهم في موضع لا ينفذ فيه إلا حكم الله ؛ وقيل : إنهم رسل الله ، كما يقال : عند الخليفة جيش كثير ، وقيل هذا على جهة التشريف والتكريم لهم ، ومعنى (يُسَبِّحُونَهُ) يعظّمونه وينزّهونه عن كل شين (وَلَهُ يَسْجُدُونَ) أي : يخصّونه بعبادة السجود التي هي أشرف عبادة ؛ وقيل : المراد بالسجود : الخضوع والذلة ، وفي ذكر الملأ الأعلى تعريض لبني آدم.
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والنسائي ، والنحاس في ناسخه ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن عبد الله بن الزبير في قوله (خُذِ الْعَفْوَ) الآية ، قال : ما نزلت هذه الآية إلا في إختلاف الناس ، وفي لفظ : أمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن ابن عمر في قوله (خُذِ الْعَفْوَ) قال : أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي قال : لما أنزل الله (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما هذا يا جبريل؟ قال : لا أدري حتى أسأل العالم ، فذهب ثم رجع فقال : إن الله أمرك أن تعفو عمّن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك». وأخرج ابن مردويه عن جابر نحوه. وأخرج ابن مردويه عن قيس بن سعد بن عبادة قال : لما نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى حمزة بن عبد المطلب قال : «والله لأمثلنّ بسبعين منهم ، فجاء جبريل بهذه الآية ، وأخرج ابن مردويه عن عائشة في قوله (خُذِ الْعَفْوَ) قال : ما عفا لك من مكارم الأخلاق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله (خُذِ الْعَفْوَ) قال : خذ ما عفا من أموالهم