وجه له في العربية. قوله (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) قيل : المعنى : وإخوان الشياطين ، وهم الفجار من ضلال الإنس ، على أن الضمير في إخوانهم يعود إلى الشيطان المذكور سابقا ، والمراد به : الجنس ، فجاز إرجاع ضمير الجمع إليه. (يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) أي : تمدّهم الشياطين في الغيّ ، وتكون مددا لهم ، وسميت الفجار من الإنس : إخوان الشياطين لأنهم يقبلون منهم ويقتدون بهم ؛ وقيل : إن المراد بالإخوان : الشياطين ، وبالضمير : الفجار من الإنس ، فيكون الخبر جاريا على من هو له. وقال الزجاج : في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : والذين تدعون من دونه لا يستطيعون لكم نصرا ولا أنفسهم ينصرون (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) لأن الكفار إخوان الشياطين ، (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) الإقصار : الانتهاء عن الشيء ، أي : لا تقصر الشياطين في مدّ الكفار في الغيّ ، قيل : إن في الغيّ متصلا بقوله (يَمُدُّونَهُمْ) وقيل : بالإخوان ، والغي : الجهل. قرأ نافع (يَمُدُّونَهُمْ) بضم حرف المضارعة وكسر الميم. وقرأ الباقون بفتح حرف المضارعة وضم الميم ، وهما لغتان : يقال مدّ وأمد. قال مكي : ومدّ أكثر. وقال أبو عبيدة وجماعة من أهل اللغة : فإنه يقال إذا كثر شيء شيئا بنفسه مدّة ، وإذا كثره بغيره ، قيل أمدّه نحو (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) (١) وقيل : يقال مددت في الشرّ وأمددت في الخير. وقرأ عاصم الجحدري يمادونهم في الغي. وقرأ عيسى ابن عمر (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) بفتح الياء وضم الصاد وتخفيف القاف. قوله (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) اجتبى الشيء بمعنى جباه لنفسه : أي جمعه ، أي : هلا اجتمعتها افتعالا لها من عند نفسك ؛ وقيل : المعنى اختلقتها ، يقال اجتبيت الكلام : انتحلته واختلقته واخترعته ، إذا جئت به من عند نفسك ، كانوا يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا تراخى الوحي هذه المقالة ، فأمره الله بأن يجيب عليهم بقوله (إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَ) أي : لست ممن يأتي بالآيات من قبل نفسه كما تزعمون (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) فما أوحاه إليّ وأنزله عليّ أبلغه إليكم ، وبصائر : جمع بصيرة ، أي : هذا القرآن المنزل عليّ هو (بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) يتبصر بها من قبلها ، وقيل : البصائر ، الحجج والبراهين. وقال الزجاج : البصائر : الطرق (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) معطوف على بصائر ، أي : هذا القرآن هو بصائر وهدى ، يهتدي به المؤمنون ورحمة لهم. قوله (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) أمرهم الله سبحانه بالاستماع للقرآن والإنصات له عند قراءته لينتفعوا به ، ويتدبّروا ما فيه من الحكم والمصالح ؛ قيل : هذا الأمر خاص بوقت الصلاة عند قراءة الإمام ، ولا يخفاك أن اللفظ أوسع من هذا والعام لا يقصر على سببه ، فيكون الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في كل حالة ، وعلى أيّ صفة ، مما يجب على السامع ؛ وقيل : هذا خاص بقراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم للقرآن ، دون غيره ، ولا وجه لذلك (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي : تنالون الرحمة ، وتفوزون بها بامتثال أمر الله سبحانه ، ثم أمره الله سبحانه أن يذكره في نفسه ، فإن الإخفاء أدخل في الإخلاص وأدعى للقبول ؛ قيل : المراد بالذكر هنا ما هو أعم من القرآن وغيره من الأذكار التي يذكر الله بها. وقال النحاس : لم يختلف في معنى (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) أنه الدعاء ؛ وقيل : هو خاص بالقرآن ؛ أي : اقرأ القرآن بتأمل وتدبر ، و (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) منتصبان على الحال ، أي : متضرعا وخائفا ، والخيفة : الخوف ، وأصلها : خوفة
__________________
(١). آل عمران : ١٢٥.