قوله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) السائلون : هم اليهود ، وقيل : قريش ، والساعة : القيامة ، وهي من الأسماء الغالبة ، وإطلاقها على القيامة لوقوعها بغتة ، أو لسرعة حسابها ، وأيان : ظرف زمان مبني على الفتح.
قال الرّاجز :
أيّان تقضي حاجتي إيّانا |
|
أما ترى لنجحها أوانا |
ومعناه : معنى متى ، واشتقاقه : من أيّ ، وقيل : من أين. وقرأ السلمي إيان بكسر الهمزة وهو في موضع رفع على الخبر ، و (مُرْساها) المبتدأ عند سيبويه ، ومرساها بضم الميم : أي وقت إرسائها ، من أرساها الله ، أي : أثبتها ، وبفتح الميم من رست : أي تثبتت ، ومنه (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) ، ومنه رسا الجبل. والمعنى متى يرسيها الله : أي يثبتها ويوقعها ، وظاهر (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) أن السؤال عن نفس الساعة ، وظاهر (أَيَّانَ مُرْساها) أن السؤال عن وقتها ، فحصل من الجميع أن السؤال المذكور هو عن الساعة باعتبار وقوعها في الوقت المعين لذلك ، ثم أمره الله سبحانه بأن يجيب عنهم بقوله : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) أي : علمها باعتبار وقوعها عند الله لا يعلمها غيره ، ولا يهتدي إليها سواه (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) أي : لا يظهرها لوقتها ولا يكشف عنها إلا الله سبحانه ، والتجلية : إظهار الشيء ، يقال جلى لي فلان الخبر : إذا أظهره وأوضحه ، وفي استئثار الله سبحانه بعلم الساعة حكمة عظيمة وتدبير بليغ كسائر الأشياء التي أخفاها الله واستأثر بعلمها. وهذه الجملة مقررة لمضمون التي قبلها. قوله (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قيل : معنى ذلك : أنه لما خفي علمها على أهل السّموات والأرض كانت ثقيلة ، لأنّ كلّ ما خفي علمه ثقيل على القلوب ؛ وقيل المعنى : لا تطيقها السّموات والأرض لعظمها ؛ لأنّ السّماء تنشق ، والنجوم تتناثر ، والبحار تنضب ؛ وقيل : عظم وصفها عليهم ؛ وقيل : ثقلت المسألة عنها ، وهذه الجملة مقرّرة لمضمون ما قبلها أيضا (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) إلا فجأة على غفلة ، والبغتة ، مصدر في موضع الحال ، وهذه الجملة كالتي قبلها في التقرير. قوله : (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها). قال ابن فارس : الحفيّ : العالم بالشيء ، والحفي : المستقصي في السؤال ، ومنه قول الأعشى :
فإن تسألي عنّي فيا ربّ سائل |
|
حفيّ عن الأعشى به حيث أصعدا |
يقال : أحفى في المسألة وفي الطلب فهو محف ، وحفيّ على التكثير ، مثل مخصب وخصيب. والمعنى : يسألونك عن الساعة كأنك عالم بها ، أو كأنه مستقص للسؤال عنها ، ومستكثر منه ، والجملة التشبيهية في محلّ نصب على الحال ، أي : يسألونك مشبها حالك حال من هو حفيّ عنها ؛ وقيل المعنى : يسألونك عنها كأنك حفيّ بهم ، أي : حفيّ ببرهم وفرح بسؤالهم. والأوّل : هو معنى النظم القرآني على مقتضي المسلك العربي. قوله : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) أمره الله سبحانه بأن يكرّر ما أجاب به عليهم سابقا ، لتقرير الحكم وتأكيده ، وقيل : ليس بتكرير ، بل أحدهما : معناه الاستئثار بوقوعها ، والآخر : الاستئثار بكنهها نفسها (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) باستثناء الله بهذا وعدم علم خلقه به ، لم يعلمه ملك مقرب ولا