يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) مقررة لما قبلها ، أي : إن هذه الغفلة منهم عن هذه الأمور الواضحة البينة ليس إلا لكونهم ممن أضله الله ومن يضلله فلا هادي له ، أي : فلا يوجد من يهديه إلى الحق وينزعه عن الضلالة ألبتة (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) قرئ بالرفع على الاستئناف وبالجزم عطفا على محل الجزاء ، وقرئ بالنون ، ومعنى يعمهون : يتحيّرون ، وقيل : يتردّدون ، وهو في محل نصب على الحال.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) قال : ذكر لنا أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «هذه أمتي بالحق يحكمون ويقضون ويأخذون ويعطون». وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : بلغنا أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم كان يقول إذا قرأها : «هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها ، (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (١)». وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم متى نزل». وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) يقول : سنأخذهم من حيث لا يعلمون ، قال : عذاب بدر. وأخرج أبو الشيخ عن يحيى ابن المثنى في الآية قال : كلما أحدثوا ذنبا جدّدنا لهم نعمة تنسيهم الاستغفار. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن سفيان في الآية قال : نسبغ عليهم النعمة ونمنعهم شكرها. وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ثابت البناني أنه سئل عن الاستدراج فقال : ذلك مكر الله بالعباد المضيّعين. وأخرج أبو الشيخ في قوله (وَأُمْلِي لَهُمْ) يقول : أكفّ عنهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) إنّ مكري شديد ، ثم نسخها الله فأنزل (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (٢). وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كيد الله : العذاب والنقمة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال : ذكر لنا : أنّ نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم قام على الصفا ، فدعا قريشا فخذا فخذا : يا بني فلان! يا بني فلان! يحذّرهم بأس الله ووقائع الله إلى الصباح ، حتى قال قائل : إن صاحبكم هذا لمجنون ، بات يصوّت حتى أصبح ، فأنزل الله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ)
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢))
__________________
(١). الأعراف : ١٥٩.
(٢). التوبة : ٥.