ابن عبادة وعقبة بن وهب : يا معشر يهود اتقوا الله فو الله إنكم لتعلمون أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته ، فقال رافع بن حرملة ووهب بن يهوذا : ما قلنا لكم هذا وما أنزل الله من كتاب من بعد موسى ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده ، فأنزل الله (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : هو محمد صلىاللهعليهوسلم جاء بالحق الذي فرّق الله به بين الحق والباطل ، فيه بيان وموعظة ونور وهدى وعصمة لمن أخذ به. قال : وكانت الفترة بين عيسى ومحمد ستّمائة سنة وما شاء الله من ذلك. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عنه قال : كانت خمسمائة سنة وستين سنة. وقال الكلبي : خمسمائة سنة وأربعين سنة. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : كانت خمسمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : كانت أربعمائة سنة وبضعا وثلاثين سنة. وأخرج ابن سعد في كتاب الطبقات عن ابن عباس قال : كان بين موسى وعيسى ألف سنة وتسعمائة سنة ولم يكن بينهما فترة ، فإنه أرسل بينهما ألف نبيّ من بني إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم ، وكان بين ميلاد عيسى ومحمد صلىاللهعليهوسلم خمسمائة سنة وتسع وستون سنة ، بعث في أوّلها ثلاثة أنبياء كما قال الله تعالى : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) (١) والذي عزّز به شمعون وكان من الحواريين ، وكانت الفترة التي لم يبعث الله فيها رسولا أربعمائة سنة وأربعة وثلاثين سنة. وقد قيل غير ما ذكرناه.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٦))
هذه الآيات متضمنة للبيان من الله سبحانه بأنّ أسلاف اليهود الموجودين في عصر محمد صلىاللهعليهوسلم تمرّدوا على موسى وعصوه كما تمرّد هؤلاء على نبينا صلىاللهعليهوسلم وعصوه ، وفي ذلك تسلية له صلىاللهعليهوسلم ، وروي عن عبد الله بن كثير أنه قرأ (يا قَوْمِ اذْكُرُوا) بضم الميم وكذا قرأ فيما أشبهه ، وتقديره : يا أيها القوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء : أي وقت هذا الجعل ، وإيقاع الذّكر على الوقت مع كون المقصود ما وقع فيه من الحوادث للمبالغة ، لأنّ الأمر بذكر الوقت أمر بذكر ما وقع فيه بطريق الأولى ، وامتنّ عليهم سبحانه بجعل الأنبياء فيهم مع كونه قد جعل أنبياء من غيرهم ، لكثرة من بعثه من الأنبياء منهم قوله : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) أي : وجعل
__________________
(١). يس : ١٤.