فإني أخاف عليكم عذاب يوم القيامة ، أو عذاب يوم الطوفان. قوله (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) جملة استئنافية جواب سؤال مقدّر ، والملأ : أشراف القوم ورؤساؤهم ؛ وقيل : هم الرجال ، وقد تقدّم بيانه في البقرة ، والضلال : العدول عن طريق الحق والذهاب عنه ، أي : إنا لنراك في دعائك إلى عبادة الله وحده في ضلال عن طريق الحق ، وجملة (قالَ يا قَوْمِ) استئنافية أيضا جواب سؤال مقدّر (لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) كما تزعمون (وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أرسلني إليكم لسوق الخير إليكم ودفع الشرّ عنكم ، نفى عن نفسه الضلالة ، وأثبت لها ما هو أعلى منصبا وأشرف رفعة وهو أنه رسول الله إليهم ، وجملة (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) في محل رفع على أنها صفة لرسول ، أو هي مستأنفة مبينة لحال الرسول. والرسالات : ما أرسله الله به إليهم مما أوحاه إليه (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) عطف على (أُبَلِّغُكُمْ) يقال : نصحته ونصحت له ، وفي زيادة اللام : دلالة على المبالغة في إمحاض النصح. قال الأصمعي : الناصح : الخالص من الغلّ ، وكلّ شيء خلص فقد نصح ، فمعنى أنصح هنا : أخلص النية لكم عن شوائب الفساد ، والاسم : النصيحة ، وجملة (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) معطوفة على الجملة التي قبلها مقررة لرسالته ومبينة لمزيد علمه ، وأنه يختصّ بعلم الأشياء التي لا يعلمونها بإخبار الله له بذلك. قوله (أَوَعَجِبْتُمْ) فتحت الواو لكونها العاطفة ودخلت عليها همزة الاستفهام للإنكار عليهم. والمعطوف عليه مقدّر : كأنه قيل : استبعدتم وعجبتم أو أكذبتم وعجبتم أو أنكرتم وعجبتم (أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي : وحي وموعظة (عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) أي : على لسان رجل منكم تعرفونه ، ولم يكن ذلك على لسان من لا تعرفونه أو لا تعرفون لغته ، وقيل على بمعنى مع ، أي : مع رجل منكم لأجل ينذركم به (وَلِتَتَّقُوا) ما يخالفه (وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بسبب ما يفيده الإنذار لكم والتقوى منكم من التعرّض لرحمة الله سبحانه لكم ورضوانه عنكم (فَكَذَّبُوهُ) أي فبعد ذلك كذبوه ولم يعملوا بما جاء به من الإنذار (فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ) من المؤمنين به المستقرين معه (فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) واستمروا على ذلك ولم يرجعوا إلى التوبة ، وجملة (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) علة لقوله (وَأَغْرَقْنَا) أي : أغرقنا المكذبين لكونهم عمي القلوب لا تنجح فيهم الموعظة ولا يفيدهم التذكير.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن أنس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أوّل نبي أرسل نوح». وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم وابن عساكر عن يزيد الرقاشي قال : إنما سمّي نوح عليهالسلام نوحا لطول ما ناح على نفسه. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، عن ابن عباس قال : كان بين آدم ونوح عشرة قرون ، كلّهم على شريعة من الحقّ. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : الملأ يعني الأشراف من قومه. وأخرج أبو الشيخ عن السدّي (أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) يقول : بيان من ربكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) قال : كفارا. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) قال : عن الحقّ.