فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل إبقالها (١) |
وقال أبو عبيدة : تذكير قريب على تذكير المكان ، أي : مكان قريب. قال علي بن سليمان الأخفش : وهذا خطأ ، ولو كان كما قال لكان قريب منصوبا كما تقول : إن زيدا قريبا منك. وقال الفراء : إن القريب إذا كان بمعنى المسافة فيذكر ويؤنث ، وإن كان بمعنى النسب فيؤنث بلا اختلاف بينهم. وروي عن الفراء أنه قال : يقال في النسب قريبة فلان ، وفي غير النسب يجوز التذكير والتأنيث فيقال : دارك عنا قريب وفلانة منا قريب قال الله تعالى (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) (٢) ومنه قول امرئ القيس :
له الويل إن أمسى ولا أمّ هاشم |
|
قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا |
وروي عن الزجّاج أنه خطّأ الفرّاء فيما قاله وقال : إن سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما ؛ وقيل : إنه لما كان تأنيث الرحمة غير حقيقي جاز في خبرها التذكير ، ذكر معناه الجوهري. قوله (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) عطف على قوله (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) يتضمن ذكر نعمة من النعم التي أنعم بها على عباده مع ما في ذلك من الدلالة على وحدانيته وثبوت إلاهيته. ورياح : جمع ريح ، وأصل ريح : روح ، وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو نشرا بضم النون والشين جمع ناشر على معنى النسب : أي ذات نشر. وقرأ الحسن وقتادة وابن عامر نشرا بضم النون وإسكان الشين من نشر. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي نشرا بفتح النون وإسكان الشين على المصدر ، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال ، ومعنى هذه القراءات يرجع إلى النشر الذي هو خلاف الطيّ فكأن الريح مع سكونها كانت مطوية ثم ترسل من طيها فتصير كالمنفتحة. وقال أبو عبيدة : معناه متفرقة في وجوهها على معنى ننشرها هاهنا وهاهنا. وقرأ عاصم (بُشْراً) بالباء الموحدة وإسكان الشين جمع بشير ، أي : الرياح تبشر بالمطر ، ومثله قوله تعالى (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) (٣). قوله (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أراد بالرحمة هنا المطر ، أي : قدّام رحمته ، والمعنى : أنه سبحانه يرسل الرياح ناشرات أو مبشرات بين يدي المطر. قوله (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً) أقلّ فلان الشيء : حمله ورفعه ، والسحاب يذكر ويؤنث ، والمعنى : حتى إذا حملت الرياح سحابا ثقالا بالماء الذي صارت تحمله (سُقْناهُ) أي : السحاب (لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) أي : مجدب ليس فيه نبات ، يقال : سقته لبلد كذا ؛ وإلى بلد كذا ؛ وقيل : اللام هنا لام العلة ، أي : لأجل بلد ميت ، والبلد : هو الموضع العامر من الأرض (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ) أي : بالبلد الذي سقناه لأجله أو بالسحاب ، أي : أنزلنا بالسحاب الماء الذي تحمله أو بالريح ، أي : فأنزلنا بالريح المرسلة بين يدي المطر الماء ؛ وقيل إن الباء هنا بمعنى من ، أي : فأنزلنا منه الماء (فَأَخْرَجْنا بِهِ) أي : بالماء (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أي : من جميع أنواعها. قوله (كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى) أي : مثل ذلك الإخراج ، وهو إخراج الثمرات نخرج الموتى من القبور يوم حشرهم (لَعَلَّكُمْ
__________________
(١). البيت لعامر الطائي.
«المزنة» : السحابة. «الودق» : المطر.
(٢). الأحزاب : ٦٣.
(٣). الروم : ٤٦.