ومثله :
تغطّ بأثواب السّخاء فإنّني |
|
أرى كلّ عيب والسّخاء غطاؤه |
والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى لباس التقوى : أي هو خير لباس ، وقرأ الأعمش ولباس التّقوى خير والإشارة بقوله : (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) إلى الإنزال المدلول عليه بأنزلنا : أي ذلك الإنزال من آيات الله الدالة على أن له خالقا ، ثم كرّر الله سبحانه النداء لبني آدم تحذيرا لهم من الشيطان ، فقال : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) أي لا يوقعنكم في الفتنة ، فالنهي وإن كان للشيطان فهو في الحقيقة لبني آدم بأن لا يفتتنوا بفتنته ويتأثروا لذلك ، والكاف في (كَما أَخْرَجَ) نعت مصدر محذوف ، أي : لا يفتننكم فتنة مثل إخراج أبويكم من الجنة ، وجملة (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) في محل نصب على الحال ، وقد تقدّم تفسيره ، واللام في (لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) لام كي ، أي : لكي يريهما ، وقد تقدّم تفسيره أيضا ، قوله : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) هذه الجملة تعليل لما قبلها مع ما تتضمنه من المبالغة في تحذيرهم منه ، لأن من كان بهذه المثابة ـ يرى بني آدم من حيث لا يرونه ـ كان عظيم الكيد ، وكان حقيقا بأن يحترس منه أبلغ احتراس (وَقَبِيلُهُ) أعوانه من الشياطين وجنوده.
وقد استدلّ جماعة من أهل العلم بهذه الآية على أن رؤية الشياطين غير ممكنة ، وليس في الآية ما يدل على ذلك ، وغاية ما فيها أنه يرانا من حيث لا نراه ، وليس فيها أنا لا نراه أبدا ، فإن انتفاء الرؤية منا له في وقت رؤيته لنا لا يستلزم انتفاءها مطلقا ، ثم أخبر الله سبحانه بأنه جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون من عباده وهم الكفار.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) قال : كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة ، وفي قوله : (وَرِيشاً) قال : المال. وأخرج ابن جرير عن عروة بن الزبير في قوله : (لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) قال : الثياب (وَرِيشاً) قال : المال (وَلِباسُ التَّقْوى) قال : خشية الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن عليّ في قوله : (لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) قال : لباس العامة (وَرِيشاً) قال : لباس الزينة (وَلِباسُ التَّقْوى) قال : الإسلام. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله : (وَرِيشاً) قال : المال واللباس والعيش والنعيم ، وفي قوله : (وَلِباسُ التَّقْوى) قال : الإيمان والعمل الصالح (ذلِكَ خَيْرٌ) قال : الإيمان والعمل خير من الريش واللباس. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله : ورياشا يقول : المال. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) قال : التقوى ، وفي قوله : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) قال : الجنّ والشّياطين.