عباس قال : كان لباس آدم وحواء كالظفر ، فلما أكلا من الشجرة لم يبق عليهما إلا مثل الظفر (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) قال : ينزعان ورق التين فيجعلانه على سوآتهما. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : لما أسكن الله آدم الجنة كساه سربالا من الظفر ، فلما أصاب الخطيئة سلبه السّربال فبقي في أطراف أصابعه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه نحوه من طريق أخرى. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال : كان لباس آدم في الجنة الياقوت ، فلما عصى قلص فصار الظفر. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ) قال : يرقعان كهيئة الثوب. وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) قال آدم : ربّ إنه حلف لي بك ، ولم أكن أعلم أن أحدا من خلقك يحلف بك إلا صادقا. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) الآية قال : هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه. وأخرج عبد بن حميد عن الضّحّاك مثله.
(يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧))
عبّر سبحانه بالإنزال عن الخلق : أي خلقنا لكم لباسا يواري سوآتكم التي أظهرها إبليس من أبويكم ، والسّوءة : العورة كما سلف ، والكلام في قدرها وما يجب ستره منها مبين في كتب الفروع. قوله : (وَرِيشاً) قرأ الحسن وعاصم من رواية المفضل الضبي وأبو عمرو من رواية الحسن بن عليّ الجعفي «ورياشا» وقرأ الباقون «وريشا» والرياش جمع ريش : وهو اللباس. قال الفراء : ريش ورياش كما يقال لبس ولباس ، وريش الطائر ما ستره الله به. وقيل المراد بالريش هنا : الخصب ورفاهية العيش. قال القرطبي : والذي عليه أكثر أهل اللغة أن الريش ما ستر من لباس أو معيشة. وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة : وهبت له دابة وريشها ، أي : وما عليها من اللباس. وقيل المراد بالريش هنا : لباس الزينة لذكره بعد قوله : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) وعطفه عليه. قوله : (وَلِباسُ التَّقْوى) قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي بنصب لباس. وقرأ الباقون بالرفع ؛ فالنصب : على أنه معطوف على لباس الأوّل ، والرفع : على أنه مبتدأ ، وجملة (ذلِكَ خَيْرٌ) خبره ، والمراد بلباس التقوى : لباس الورع واتقاء معاصي الله ، وهو الورع نفسه والخشية من الله ، فذلك خير لباس وأجمل زينة ؛ وقيل : لباس التقوى : الحياء ؛ وقيل : العمل الصالح ، وقيل : هو لباس الصوف والخشن من الثياب لما فيه من التواضع لله ؛ وقيل : هو الدرع والمغفر الذي يلبسه من يجاهد في سبيل الله ، والأوّل أولى. وهو يصدق على كل ما فيه تقوى لله فيندرج تحته جميع ما ذكر من الأقوال ، ومثل هذه الاستعارة كثيرة الوقوع في كلام العرب ، ومنه :
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التّقى |
|
تقلّب عريانا وإن كان كاسيا |