لَهُمَا) أي : ليظهر لهما ، واللام للعاقبة كما في قوله : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) ؛ وقيل : هي لام كي ، أي : فعل ذلك ليتعقبه الإيذاء ، أو لكي يقع الإيذاء. قوله : (ما وُورِيَ) أي : ما ستر وغطى (عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) سمّي الفرج سوءة ؛ لأن ظهوره يسوء صاحبه ، أراد الشيطان أن يسوءهما بظهور ما كان مستورا عنهما من عوراتهما ، فإنهما كانا لا يريان عورة أنفسهما ولا يراها أحدهما من الآخر ، وإنما لم تقلب الواو في (وُورِيَ) همزة ، لأن الثانية مدة ؛ قيل : إنما بدت عورتهما لهما لا لغيرهما ، وكان عليهما نور يمنع من رؤيتها (وَقالَ) أي : الشيطان لهما (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ) أكل هذه الشجرة (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) أن في موضع نصب ، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره : إلا كراهة أن تكونا ملكين ، هكذا قال البصريون. وقال الكوفيون : التقدير لئلا تكونا ملكين (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) في الجنة أو من الذين لا يموتون. قال النحاس : فضل الله الملائكة على جميع الخلق في غير موضع في القرآن ، فمنها هذا ، ومنها (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) ، ومنها (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ). قال ابن فورك : لا حجّة في هذه الآية ، لأنّه يحتمل أن يريد : ملكين في أن لا يكون لهما شهوة في الطعام.
وقد اختلف الناس في هذه المسألة اختلافا كثيرا وأطالوا الكلام في غير طائل ، وليست هذه المسألة مما كلفنا الله بعلمه ، فالكلام فيها لا يعنينا. وقرأ ابن عباس ويحيى بن أبي كثير والضحاك «ملكين» بكسر اللام ، وأنكر أبو عمرو بن العلاء هذه القراءة وقال : لم يكن قبل آدم ملك فيصيرا ملكين. وقد احتج من قرأ بالكسر بقوله تعالى : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى). قال أبو عبيد : هذه حجّة بيّنة لقراءة الكسر ، ولكنّ الناس على تركها ، فلهذا تركناها. قال النحّاس : هي قراءة شاذة ، وأنكر على أبي عبيد هذا الكلام وجعله من الخطأ الفاحش. قال : وهل يجوز أن يتوهم على آدم عليهالسلام أن يصل إلى أكثر من ملك الجنة وهي غاية الطالبين ، وإنما معنى (وَمُلْكٍ لا يَبْلى) المقام في ملك الجنة والخلود فيه. قوله : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) أي : حلف لهما فقال : أقسم إقساما أي : حلف ، ومنه قول الشاعر :
وقاسمها بالله جهدا لأنتما |
|
ألذّ من السّلوى إذا ما نشورها (١) |
وصيغة المفاعلة وإن كانت في الأصل تدلّ على المشاركة فقد جاءت كثيرا لغير ذلك. وقد قدّمنا تحقيق هذا في المائدة ، والمراد بها هنا المبالغة في صدور الإقسام لهما من إبليس ؛ وقيل إنهما أقسما له بالقبول كما أقسم لهما على المناصحة. قوله : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) التدلية والإدلاء : إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل ، يقال : أدلى دلوه : أرسلها ، والمعنى : أنه أهبطهما بذلك من الرتبة العلية إلى الأكل من الشجرة ؛ وقيل معناه : أوقعهما في الهلاك ؛ وقيل : خدعهما ، وأنشد نفطويه :
إنّ الكريم إذا تشاء خدعته |
|
وترى اللّئيم مجرّبا لا يخدع |
__________________
(١). «السلوى» : العسل. و «شار العسل» : اجتناه وأخذه من موضعه.