(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) قال : أشككهم في آخرتهم (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) قال : أرغّبهم في دنياهم (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) أشبه عليهم أمر دينهم (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) قال : أسنّ لهم المعاصي وأحقّ عليهم الباطل (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) قال : موحّدين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) يقول : من حيث يبصرون (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) من حيث لا يبصرون (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) من حيث يبصرون (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) من حيث لا يبصرون. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه أيضا في الآية قال : لم يستطع أن يقول من فوقهم. وفي لفظ : علم أنّ الرّحمة تنزل من فوقهم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله : (مَذْؤُماً) قال : ملوما (مَدْحُوراً) قال : مقيتا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد (مَذْؤُماً) قال : منفيا (مَدْحُوراً) قال : مطرودا.
(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥))
قوله : (وَيا آدَمُ) هو على تقدير القول ، أي : وقلنا يا آدم. قال له هذا القول بعد إخراج إبليس من الجنة ، أو من السماء ، أو من بين الملائكة كما تقدّم. وقد تقدّم معنى الإسكان ، ومعنى (لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) في البقرة. ومعنى (مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) من أيّ نوع من أنواع الجنة شئتما أكله ، ومثله ما تقدّم من قوله تعالى : (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) (١) وحذف النون من (فَتَكُونا) لكونه معطوفا على المجزوم أو منصوبا على أنه جواب النهي. قوله : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) الوسوسة : الصوت الخفي ، والوسوسة : حديث النفس ، يقال : وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا بكسر الواو ، والوسوسة بالفتح : الاسم ، مثل الزلزلة والزلزال ، ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي : وسواس. قال الأعشى :
تسمع للحليّ وسواسا إذا انصرفت (٢)
والوسواس : اسم الشيطان. ومعنى وسوس له : وسوس إليه ، أو فعل الوسوسة لأجله. قوله : (لِيُبْدِيَ
__________________
(١). البقرة : ٣٥.
(٢). وعجزه : كما استعان بريح عشرق زجل.
«عشرق» : شجر له حب صغار إذا جفّ صوّت بمرّ الريح.