عليهم بعلم قال : يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون. وأخرج عبد بن حميد عن فرقد في الآية قال : أحدهما الأنبياء ، وأحدهما الملائكة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : نسأل الناس عن قول لا إله إلا الله ونسأل جبريل.
(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠) وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨))
قوله : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) الوزن : مبتدأ وخبره الحق ، أي : الوزن في هذا اليوم العدل الذي لا جور فيه ، أو الخبر : يومئذ ، والحق : وصف للمبتدأ ، أي : الوزن العدل كائن في هذا اليوم ؛ وقيل : إن الحق خبر مبتدأ محذوف.
واختلف أهل العلم في كيفية هذا الوزن الكائن في هذا اليوم ، فقيل : المراد به وزن صحائف أعمال العباد بالميزان وزنا حقيقيا ، وهذا هو الصحيح ، وهو الذي قامت عليه الأدلة ؛ وقيل : توزن نفس الأعمال وإن كانت أعراضا فإن الله يقلبها يوم القيامة أجساما كما جاء في الخبر الصحيح : «إن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صوافّ». وكذلك ثبت في الصحيح أنه يأتي القرآن في صورة شاب شاحب اللون ونحو ذلك ؛ وقيل : الميزان : الكتاب الذي فيه أعمال الخلق ؛ وقيل : الوزن والميزان : بمعنى العدل والقضاء ، وذكرهما من باب ضرب المثل ، كما تقول : هذا الكلام في وزن هذا. قال الزجاج : هذا سائغ من جهة اللسان ، والأولى أن نتبع ما جاء في الأسانيد الصحاح من ذكر الميزان. قال القشيري : وقد أحسن الزجّاج فيما قال ، إذ لو حمل الصراط على الدين الحقّ ، والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد ، والشياطين والجنّ على الأخلاق المذمومة ، والملائكة على القوى المحمودة ، ثم قال : وقد أجمعت الأمة في الصدر الأوّل على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر وصارت هذه الظواهر نصوصا. انتهى. والحق هو القول الأوّل : وأما المستبعدون لحمل هذه الظواهر على حقائقها فما يأتون في استبعادهم بشيء من الشرع يرجع إليه ، بل غاية ما تشبثوا به مجرد الاستبعادات العقلية ، وليس في ذلك حجة على أحد ، فهذا إذا لم تقبله عقولهم فقد قبلته عقول قوم هي أقوى