السيئة (فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) من دون زيادة عليها ، على قدرها في الخفّة والعظم ، فالمشرك يجازى على سيئة الشرك بخلوده في النار ، وفاعل المعصية من المسلمين يجازى عليها بمثلها مما ورد تقديره من العقوبات ، كما ورد بذلك كثير من الأحاديث المصرّحة بأن من عمل كذا فعليه كذا ، وما لم يرد لعقوبته تقدير من الذنوب ؛ فعلينا أن نقول : يجازيه الله بمثله وإن لم نقف على حقيقة ما يجازى به ، وهذا إن لم يتب ، أما إذا تاب أو غلبت حسناته سيئاته ، أو تغمده الله برحمته ، وتفضل عليه بمغفرته ، فلا مجازاة ، وأدلة الكتاب والسنة مصرّحة بهذا تصريحا لا يبقى بعده ريب لمرتاب ، (وَهُمْ) أي من جاء بالحسنة ومن جاء بالسيئة (لا يُظْلَمُونَ) بنقص ثواب حسنات المحسنين ، ولا بزيادة عقوبات المسيئين.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : اختلفت اليهود والنّصارى قبل أن يبعث محمد صلىاللهعليهوسلم فتفرقوا ، فلما بعث محمد أنزل عليه (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) الآية. وأخرج النحّاس عنه في ناسخه (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) قال : اليهود والنّصارى تركوا الإسلام والدين الذي أمروا به (وَكانُوا شِيَعاً) فرقا أحزابا مختلفة (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) نزلت بمكة ثم نسخها (قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ) (١). وأخرج أبو الشيخ عنه (وَكانُوا شِيَعاً) قال : مللا شتّى. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) الآية قال : هم في هذه الأمة. وأخرج الحكيم الترمذي وابن جرير والطبراني ، والشيرازي في الألقاب ، وابن مردويه عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم في الآية قال : «هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة» ، وفي إسناده عباد بن كثير ، وهو متروك الحديث ، ولم يرفعه غيره ، ومن عداه وقفوه على أبي هريرة. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة في الآية قال : هم الحرورية ، وقد رواه ابن أبي حاتم والنحاس وابن مردويه عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعا ، ولا يصحّ رفعه. وأخرج الحكيم الترمذي وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن شاهين وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية ، وأبو نصر السجزي في الإبانة ، والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لعائشة : «يا عائش ؛ إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء وأصحاب الضلالة من هذه الأمة ليست لهم توبة ، يا عائشة إنّ لكلّ صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ليس لهم توبة ، وهم مني برآء» قال ابن كثير : هو غريب ، ولا يصحّ رفعه. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) قال رجل من المسلمين : يا رسول الله! لا إله إلا الله حسنة؟ قال : «نعم أفضل الحسنات» ، وهذا مرسل ولا ندري كيف إسناده إلى سعيد. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ). قال : لا إله إلا الله. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس مثله. وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة مثله أيضا. وقد قدّمنا الإشارة إلى أنها قد ثبتت الأحاديث الصحيحة بمضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها ، فلا نطيل بذكرها ، ووردت أحاديث كثيرة في الزيادة على هذا المقدار ، وفضل الله واسع ، وعطاؤه جمّ.
__________________
(١). التوبة : ٣٦.