قبل الآية مقيما على الكبائر. والآيات التي هي علامات القيامة قد وردت الأحاديث المتكاثرة في بيانها وتعدادها ، وهي مذكورة في كتب السّنّة.
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠))
قرأ حمزة والكسائي «فارقوا دينهم» وهي قراءة عليّ بن أبي طالب ؛ أي تركوا دينهم وخرجوا عنه. وقرأ الباقون : فرّقوا بالتشديد إلا النخعي فإنه قرأ بالتخفيف. والمعنى : أنهم جعلوا دينهم متفرّقا ، فأخذوا ببعضه وتركوا بعضه ، قيل : المراد بهم اليهود والنصارى. وقد ورد في معنى هذا ؛ في اليهود قوله تعالى : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (١) ؛ وقيل : المراد بهم المشركون عبد بعضهم الصّنم وبعضهم الملائكة ؛ وقيل : الآية عامة في جميع الكفار وكلّ من ابتدع وجاء بما لم يأمر به الله ، وهذا هو الصّواب لأنّ اللفظ يفيد العموم فيدخل فيه طوائف أهل الكتاب وطوائف المشركين وغيرهم ممن ابتدع من أهل الإسلام ، ومعنى شيعا : فرقا وأحزابا ، فتصدق على كل قوم كان أمرهم في الدين واحدا مجتمعا ، ثم اتبع كل جماعة منهم رأي كبير من كبرائهم يخالف الصواب ، ويباين الحق (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي لست من تفرّقهم ، أو من السؤال عن سبب تفرّقهم والبحث عن موجب تحزبهم في شيء من الأشياء ، فلا يلزمك من ذلك شيء ولا تخاطب به إنما عليك البلاغ ، وهو مثل قوله صلىاللهعليهوسلم : «من غشّنا فليس منّا» أي نحن برآء منه ، وموضع (فِي شَيْءٍ) نصب على الحال. قال الفراء : هو على حذف مضاف : أي لست من عقابهم في شيء ، وإنما عليك الإنذار ، ثم سلاه الله تعالى بقوله : (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) فهو مجاز لهم بما تقتضيه مشيئته ، والحصر بإنما : هو في حكم التعليل لما قبله والتأكيد له (ثُمَ) هو يوم القيامة (يُنَبِّئُهُمْ) أي يخبرهم بما ينزله بهم من المجازاة (بِما كانُوا) يعملونه من الأعمال التي تخالف ما شرعه الله لهم وأوجبه عليهم ، وهذه الآية من جملة ما هو منسوخ بآية السيف. قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) لما توعد سبحانه المخالفين له بما توعد بين عقب ذلك مقدار جزاء العاملين بما أمرهم به ؛ الممتثلين لما شرعه لهم ؛ بأن من جاء بحسنة واحدة من الحسنات ؛ فله من الجزاء عشر حسنات ، والتقدير : فله عشر حسنات أمثالها ، فأقيمت الصفة مقام الموصوف. قال أبو علي الفارسي : حسن التأنيث في عشر أمثالها لما كان الأمثال مضافا إلى مؤنث ، نحو ذهبت بعض أصابعه. وقرأ الحسن وسعيد بن جبير والأعمش (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) برفعهما.
وقد ثبت هذا التضعيف في السنة بأحاديث كثيرة ، وهذا التضعيف هو أقلّ ما يستحقه عامل الحسنة. وقد وردت الزيادة على هذا عموما وخصوصا ، ففي القرآن كقوله : (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ) (٢). وورد في بعض الحسنات أن فاعلها يجازى عليها بغير حساب ، وورد في السنة المطهرة تضعيف الجزاء إلى ألوف مؤلفة. وقد قدمنا تحقيق هذا في موضعين من هذا التفسير ، فليرجع إليهما (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) من الأعمال
__________________
(١). البينة : ٤.
(٢). البقرة : ٢٦١.