تركت نسيانا لم تضرّ ، وإن تركت عمدا لم يحلّ أكل الذبيحة. وهو مرويّ عن عليّ وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والحسن البصري وأبي مالك وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجعفر بن محمد وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، واستدلوا بما أخرجه البيهقي عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «المسلم إن نسي أن يسمّي حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكله» ، وهذا الحديث رفعه خطأ ، وإنما هو من قول ابن عباس. وكذا أخرجه من قوله عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر ؛ نعم يمكن الاستدلال لهذا المذهب بمثل قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) (١) كما سبق تقريره ، وبقوله صلىاللهعليهوسلم : «رفع عن أمتي الخطأ والنّسيان» وأما حديث أبي هريرة الذي أخرجه ابن عديّ : «أن رجلا جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله! أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمّي؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اسم الله على كلّ مسلم» فهو حديث ضعيف ، قد ضعّفه البيهقي وغيره. قوله : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) الضمير يرجع إلى ما بتقدير مضاف أي : وإن أكل ما لم يذكر لفسق ، ويجوز أن يرجع إلى مصدر تأكلوا : أي فإن الأكل لفسق. وقد تقدّم تحقيق الفسق.
وقد استدلّ من حمل هذه الآية على ما ذبح لغير الله بقوله : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ووجه الاستدلال أن الترك لا يكون فسقا ، بل الفسق الذّبح لغير الله. ويجاب عنه بأن إطلاق اسم الفسق على تارك ما فرضه الله عليه غير ممتنع شرعا (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) أي يوسوسون لهم بالوساوس المخالفة للحق المباينة للصواب قاصدين بذلك أن يجادلكم هؤلاء الأولياء بما يوسوسون لهم (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) مثلهم.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والطبراني وأبو الشيخ ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : قال المشركون ، وفي لفظ : قال اليهود : لا تأكلوا مما قتل الله وتأكلوا مما قتلتم أنتم! فأنزل الله (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ). وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عنه قال : لما نزلت (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) أرسلت فارس إلى قريش أن خاصموا محمدا ، فقالوا له : ما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال ، وما ذبح الله بمسمار من ذهب ـ يعني الميتة ـ فهو حرام ، فنزلت (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) قال : الشياطين من فارس وأولياؤهم من قريش. وقد روي نحو ما تقدّم في حديث ابن عباس الأوّل من غير طريق. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عنه أيضا في قوله : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) قال : إبليس أوحى إلى مشركي قريش. وأخرج أبو داود وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عنه أيضا في قوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) فنسخ ، واستثنى من ذلك فقال : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ). وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال : كلوا ذبائح المسلمين وأهل الكتاب مما ذكر اسم الله عليه. وروى ابن أبي حاتم عن مكحول نحو قول ابن عباس في النسخ.
__________________
(١). البقرة : ٢٨٦.