أي فعاينوا ذلك معاينة. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال : أفواجا قبيلا. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) قال : إنّ للجنّ شياطين يضلّونهم مثل شياطين الإنس يضلونهم ، فيلتقي شيطان الإنس وشيطان الجنّ ، فيقول هذا لهذا : أضلله بكذا وأضلله بكذا ، فهو (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) وقال ابن عباس : الجنّ هم الجانّ وليسوا شياطين ، والشياطين ولد إبليس وهم لا يموتون إلا مع إبليس والجنّ يموتون ، فمنهم المؤمن ومنهم الكافر. وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود قال : الكهنة هم شياطين الإنس. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) قال : شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس ، فإن الله يقول : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ). وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : من الإنس شياطين ومن الجن شياطين يوحي بعضهم إلى بعض. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (زُخْرُفَ الْقَوْلِ) قال : يحسن بعضهم لبعض القول ؛ يتبعوهم في فتنتهم. وقد أخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا أبا ذر تعوّذ بالله من شرّ شياطين الجنّ والإنس ، قال : يا نبيّ الله وهل للإنس شياطين؟ قال : نعم ، شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا». وأخرج أحمد وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي ذرّ مرفوعا نحوه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (وَلِتَصْغى) تميل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عنه (وَلِتَصْغى) تزيغ (وَلِيَقْتَرِفُوا) يكتسبوا.
(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧))
قوله : (أَفَغَيْرَ اللهِ) الاستفهام للإنكار ، والفاء للعطف على فعل مقدّر ، والكلام هو على إرادة القول ، والتقدير : قل لهم يا محمد : كيف أضلّ وأبتغي غير الله حكما؟ وغير : مفعول لأبتغي مقدّم عليه ، وحكما : المفعول الثاني أو العكس. ويجوز أن ينتصب حكما على الحال ، والحكم أبلغ من الحاكم كما تقرر في مثل هذه الصفة المشتقة. أمره الله سبحانه وتعالى أن ينكر عليهم ما طلبوه منه من أن يجعل بينه وبينهم حكما فيما اختلفوا فيه ، وإنّ الله هو الحكم العدل بينه وبينهم ، وجملة (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) في محل نصب على الحال : أي كيف أطلب حكما غير الله وهو الذي أنزل عليكم القرآن مفصّلا مبينا واضحا مستوفيا لكلّ قضية على التفصيل ، ثم أخبر نبيه صلىاللهعليهوسلم بأن أهل الكتاب وإن أظهروا الجحود والمكابرة ، فإنهم يعلمون أن القرآن منزل من عند الله بما دلتهم عليه كتب الله المنزلة كالتوراة والإنجيل من أنه رسول الله وأنه خاتم الأنبياء ،