قرأ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والأعمش وعاصم في قراءته الصحيحة عنه برفع جنات ، وقرأ الباقون بالنصب. وأنكر القراءة الأولى أبو عبيدة وأبو حاتم حتى قال أبو حاتم : هي محال ، لأنّ الجنّات لا تكون من النخل. قال النحاس : ليس تأويل الرفع على هذا ، ولكنه رفع بالابتداء ، والخبر محذوف : أي ولهم جنات ، كما قرأ جماعة من القراء (وَحُورٌ عِينٌ) (١) وقد أجاز مثل هذا سيبويه والكسائي والفراء ، وأما على النصب فقيل : هو معطوف على (نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) أي وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب ، أو النصب بفعل يقدّر متأخرا : أي وجنات من أعناب أخرجناها ، وهكذا القول في انتصاب الزيتون والرمان : وقيل : هما منصوبان على الاختصاص لكونهما عزيزين ، و (مُشْتَبِهاً) منتصب على الحال : أي كل واحد منهما يشبه بعضه بعضا في بعض أوصافه ولا يشبه بعضه بعضا في البعض الآخر ؛ وقيل : إن أحدهما يشبه الآخر في الورق باعتبار اشتماله على جميع الغصن وباعتبار حجمه ، ولا يشبه أحدهما الآخر في الطعم ؛ وقيل : خصّ الزيتون والرمان لقرب منابتهما من العرب كما في قول الله سبحانه : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (٢) ، ثم أمرهم سبحانه بأن ينظروا نظر اعتبار إلى ثمره إذا أثمر وإلى ينعه إذا أينع. والثمر في اللغة : جني الشجر. واليانع : الناضج الذي قد أدرك وحان قطافه. قال ابن الأنباري : الينع جمع يانع ، كركب وراكب. وقال الفراء ، أينع : احمرّ ، قرأ حمزة والكسائي (ثَمَرِهِ) بضم الثاء والميم ، وقرأ الباقون بفتحهما ، إلا الأعمش فإنه قرأ ثمره بضم الثاء وسكون الميم تخفيفا. وقرأ محمد بن السّميقع وابن محيصن وابن أبي إسحاق (وَيَنْعِهِ) بضم الياء التحتية. قال الفراء : هي لغة بعض أهل نجد. وقرأ الباقون بفتحها ، والإشارة بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكُمْ) إلى ما تقدّم ذكره مجملا ومفصلا (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بالله استدلالا بما يشاهدونه من عجائب مخلوقاته التي قصّها عليهم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) يقول : خلق الحب والنوى. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال : يفلق الحبّ والنوى عن النبات. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : الشقان اللذان فيهما. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي مالك نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) قال : النخلة من النواة والسّنبلة من الحبة (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) قال : النواة من النخلة ، والحبة من السنبلة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) قال : الناس الأحياء من النطف ، والنطفة ميتة تخرج من الناس الأحياء ، ومن الأنعام والنبات كذلك أيضا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي فكيف تكذبون. وأخرج أيضا عن الحسن قال : «أتى تصرفون». وأخرج أيضا عن ابن عباس في (فالِقُ الْإِصْباحِ) قال : «خلق الليل والنهار». وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال : يعني بالإصباح : ضوء الشمس بالنهار ، وضوء القمر بالليل. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في (فالِقُ الْإِصْباحِ) قال : إضاءة الفجر. وأخرج عبد الرزاق وعبد
__________________
(١). الواقعة : ٢٢.
(٢). الغاشية : ١٧.