مِنَ الْحَيِ) معطوفة على (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) عطف جملة اسمية على جملة فعلية ولا ضير في ذلك ؛ وقيل : معطوفة على (فالِقُ) على تقدير أن جملة (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) مفسرة لما قبلها ، والأوّل أولى ، والإشارة ب (ذلِكُمُ) إلى صانع ذلك الصنع العجيب المذكور سابقا و (اللهَ) خبره. والمعنى : أن صانع هذا الصنع العجيب هو المستجمع لكلّ كمال ، والمفضل بكلّ إفضال ، والمستحقّ لكلّ حمد وإجلال (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) فكيف تصرفون عن الحق مع ما ترون من بديع صنعه وكمال قدرته. قوله : (فالِقُ الْإِصْباحِ) مرتفع على أنه من جملة أخبار (إِنَ) في (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) ، وقيل : هو نعت للاسم الشريف في (ذلِكُمُ اللهُ) ، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر فالق الإصباح بفتح الهمزة ، وقرأ الجمهور بكسرها ، وهو على قراءة الفتح جمع صبح ، وعلى قراءة الكسر مصدر أصبح ، والصبح والصباح : أوّل النهار ، وكذا الإصباح ، وقرأ النّخعي «فلق الإصباح» بفعل وهمزة مكسورة. والمعنى في (فالِقُ الْإِصْباحِ) أنه شاقّ الضّياء عن الظلام وكاشفه ، أو يكون المعنى على حذف مضاف : أي فالق ظلمة الإصباح ، وهي الغبش ، أو فالق عمود الفجر عن بياض النهار ، لأنه يبدو مختلطا بالظلمة ثم يصير أبيض خالصا. وقرأ الحسن وعيسى ابن عمر وعاصم وحمزة والكسائي (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) حملا على معنى (فالِقُ) عند حمزة والكسائي ، وأما عند الحسن وعيسى فعطفا على فلق. وقرأ الجمهور وجاعل عطفا على فالق. وقرئ فالق وجاعل بنصبهما على المدح. وقرأ يعقوب «وجاعل الليل ساكنا». والسكن : محل السكون ، من سكن إليه : إذا اطمأنّ إليه ، لأنه يسكن فيه الناس عن الحركة في معاشهم ويستريحون من التعب والنصب. قوله : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) بالنصب على إضمار فعل : أي وجعل الشمس والقمر ، وبالرفع على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره والشمس والقمر مجعولان حسبانا ، وبالجرّ على الليل على قراءة من قرأ : وجاعل الليل. قال الأخفش : والحسبان : جمع حساب ، مثل شهبان وشهاب. وقال يعقوب : حسبان : مصدر حسبت الشيء أحسبه حسابا وحسبانا. والحساب : الاسم ؛ وقيل : الحسبان بالضم : مصدر حسب بالفتح ، والحسبان بالكسر : مصدر حسب. والمعنى : جعلهما محلّ حساب تتعلّق به مصالح العباد ، وسيرهما على تقدير لا يزيد ولا ينقص ، ليدلّ عباده بذلك على عظيم قدرته وبديع صنعه ؛ وقيل الحسبان : الضّياء ، وفي لغة أن الحسبان : النار ، ومنه قوله تعالى : (وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ) (١) والإشارة ب (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) إلى الجعل المدلول عليه بجاعل أو بجعل على القراءتين. والعزيز : القاهر الغالب. والعليم : كثير العلم ، ومن جملة معلوماته : تسييرهما على هذا التدبير المحكم. قوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها) أي خلقها للاهتداء بها (فِي ظُلُماتِ) الليل عند المسير في (الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) وإضافة الظلمات إلى البرّ والبحر لكونها ملابسة لهما ، أو المراد بالظلمات : اشتباه طرقهما التي لا يهتدى فيها إلا بالنجوم ، وهذه إحدى منافع النجوم التي خلقها الله لها ، ومنها ما ذكره الله في قوله : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) (٢). (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) (٣) ، ومنها : جعلها زينة للسّماء ، ومن زعم غير هذه الفوائد فقد أعظم على الله الفرية (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ) التي بيناها بيانا مفصلا لتكون أبلغ في الإعتبار (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) بما في هذه الآيات من
__________________
(١). الكهف : ٤٠.
(٢). الصافات : ٧.
(٣). الملك : ٥.