الذي يغمر الأشياء فيغطيها ، ومنه غمرة الماء ، ثم استعملت في الشدائد ، ومنه غمرة الحرب. قال الجوهري : والغمرة : الشدّة والجمع غمر ؛ مثل نوبة ونوب ، وجملة (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) في محل نصب : أي والحال أن الملائكة باسطو أيديهم لقبض أرواح الكفار ؛ وقيل : للعذاب ، وفي أيديهم مطارق الحديد ، ومثله قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) (١). قوله : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) أي قائلين لهم : أخرجوا أنفسكم من هذه الغمرات التي وقعتم فيها ، أو أخرجوا أنفسكم من أيدينا وخلصوها من العذاب ، أو أخرجوا أنفسكم من أجسادكم وسلموها إلينا لنقبضها (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أي اليوم الذي تقبض فيه أرواحكم ، أو أرادوا باليوم الوقت الذي يعذبون فيه الذي مبدؤه عذاب القبر ، والهون والهوان بمعنى ، أي اليوم تجزون عذاب الهوان الذي تصيرون به في إهانة وذلّة بعد ما كنتم فيه من الكبر والتّعاظم ، والباء في (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِ) للسببية : أي بسبب قولكم هذا من إنكار إنزال الله كتبه على رسله والإشراك به (وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) عن التّصديق لها والعمل بها فكان ما جوزيتم به من عذاب الهون (جَزاءً وِفاقاً). قوله : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) قرأ أبو حيوة فرادى بالتنوين ، وهي لغة تميم ، وقرأ الباقون بألف التأنيث للجمع فلم ينصرف. وحكى ثعلب «فراد» بلا تنوين مثل : ثلاث ورباع ، وفرادى جمع فرد كسكارى جمع سكران وكسالى جمع كسلان ، والمعنى : جئتمونا منفردين واحدا واحدا كل واحد منفرد عن أهله وماله وما كان يعبده من دون الله فلم ينتفع بشيء من ذلك (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي على الصفة التي كنتم عليها عند خروجكم من بطون أمهاتكم ، والكاف نعت مصدر محذوف : أي جئتمونا مجيئا مثل مجيئكم عند خلقنا لكم ، أو حال من ضمير فرادى : أي مشابهين ابتداء خلقنا لكم (وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ) أي أعطيناكم ، والخول ما أعطاه الله للإنسان من متاع الدنيا : أي تركتم ذلك خلفكم لم تأتونا بشيء منه ولا انتفعتم به بوجه من الوجوه (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ) عبدتموهم وقلتم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (٢) و (زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) لله يستحقّون منكم العبادة كما يستحقها. قوله : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) قرأ نافع والكسائي وحفص بنصب بينكم على الظرفية ، وفاعل تقطع محذوف ، أي تقطع الوصل بينكم ، أنتم وشركاؤكم كما يدل عليه : (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ). وقرأ الباقون بالرفع على إسناد التقطع إلى البين ، أي وقع التقطّع بينكم ، ويجوز أن يكون معنى قراءة النصب معنى قراءة الرفع في إسناد الفعل إلى الظرف ، وإنما نصب لكثرة استعماله ظرفا. وقرأ ابن مسعود لقد تقطع ما بينكم على إسناد الفعل إلى ما ، أي الذي بينكم (وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) من الشركاء والشرك ، وحيل بينكم وبينهم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) قال : هم الكفار لم يؤمنوا بقدرة الله ، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير قد قدر الله حقّ قدره ، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حقّ قدره ، إذ قالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء. قالت اليهود : يا محمد أنزل الله عليك كتابا؟ قال : نعم ، قالوا : والله ما أنزل الله من السماء كتابا ،
__________________
(١). الأنفال : ٥٠.
(٢). الزمر : ٣.